كان النّاس بعد وفاة آدم إلى مبعث نوح (أُمَّةً واحِدَةً) : على ملّة واحدة ، وهى الكفر ـ كانوا كفّارا كلهم أمثال البهائم (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) نوحا وإبراهيم وغيرهما من النّبيّين (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) يعنى : الكتب. و «الكتاب» اسم جنس أريد به الجمع (بِالْحَقِ) يريد : بالعدل والصّدق (لِيَحْكُمَ) أى : الكتاب (بَيْنَ النَّاسِ) بما فيه من البيان (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) من الأحكام (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) الكناية راجعة إلى الكتاب. والمراد بالكتاب المختلف فيه : التّوراة (١).
قوله : (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) يعنى : اليهود. واختلافهم فى التّوراة : تبديل بعضهم وتحريفهم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ :) الدّلالات الواضحات فى شأن محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصحّة نبوّته (بَغْياً بَيْنَهُمْ :) حسدا منهم وطلبا للرّئاسة (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أى : إلى ما اختلفوا فيه (مِنَ الْحَقِ) والمعنى : لمعرفة ما اختلفوا فيه. يقال : هديته إلى الشىء وللشىء (٢).
قال ابن زيد : اختلفوا فى القبلة فصلّت اليهود إلى بيت المقدس ، وصلّت النّصارى إلى المشرق ، فهدانا الله للكعبة ؛ واختلفوا فى الصّيام ، وهدانا الله لشهر رمضان ، واختلفوا فى يوم الجمعة ، فأخذت اليهود السّبت ، وأخذت النصارى الأحد فهدانا الله له (٣) ؛ واختلفوا فى إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهوديّا ، وقالت النّصارى : كان نصرانيّا ، فهدانا الله للحقّ من ذلك ، واختلفوا فى عيسى ، فجعلته اليهود لفرية ، وجعلته النّصارى ربّا ، فهدانا الله عزوجل للحقّ من ذلك (٤).
أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمرو بن مسرور ، حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدّثنا عبد الله بن عون ، حدّثنا أبو سفيان محمد بن حميد ، حدّثنا معمر بن راشد ، عن الأعمش ، عن أبى صالح ، عن أبى هريرة قال :
__________________
(١) كما نقله القرطبى عن الطبرى (تفسير القرطبى ٣ : ٣٢).
(٢) كما فى (اللسان ـ مادة : هدى).
(٣) حاشية ج : «أى ليوم الجمعة».
(٤) انظر (الدر المنثور ١ : ٢٤٣) و (تفسير ابن كثير ١ : ٣٦٥) و (تفسير القرطبى ٣ : ٣٢ ـ ٣٣).