فرغ لهم ممّا يوعدون به ؛ بأن قدّر ذلك عليهم وأعدّ لهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(١) أى : فى الجزاء من الثّواب والعقاب ؛ وذلك أنّ العباد فى الدنيا لا يجازون على أعمالهم ، ثم إليه يصيرون ، فيعذّب من يشاء ويرحم من يشاء ؛ وهذا كقوله : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)(٢).
وقرئ : (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ـ بضم التاء وفتح الجيم ـ أى : تردّ إليه الأمور.
٢١١ ـ قوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ.)
معنى «السّؤال» ـ هاهنا ـ : تبكيت (٣) للمسئول عنه ، وتقريع له لا تعرّف (٤) منه ، كما يقال : سله كم أنعمت عليه فكفر نعمتى ؛ كذلك هؤلاء أنعم الله عليهم نعما (٥) : فلق البحر لهم ، وأنجاهم (٦) من عدوّهم ، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى ، فكفروا بهذه النّعم حين لم يؤمنوا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولم يبيّنوا نعته. (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) «التّبديل» : تصيير الشّىء على غير ما كان عليه. يريد : من يجعلها نقمة بالكفران وترك الشّكر لها (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعنى : لمن (٧) فعل ذلك.
و (الْعِقابِ) : عذاب يعقب الجرم.
٢١٢ ـ قوله : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) فهى همّهم وطلبتهم (٨) ونيّتهم ،
__________________
(١) ج : «ترجع» ـ بفتح حرف المضارعة على البناء للفاعل ؛ وهى قراءة ابن عامر وحمزة والكسائى وخلف ويعقوب ؛ وما أثبت بضم التاء على بنائه للمفعول ـ حسب الرسم العثمانى ـ وهى قراءة الباقين. انظر (إتحاف البشر ١٥٦) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢٦).
(٢) سورة الشورى : ٥٣.
(٣) «التبكيت كالتقريع والتعنيف. وبكته بالحجة : غلبه» (اللسان ـ مادة : بكت).
(٤) أ : «لا تعرف له». حاشية ج : «أى : لا تعرف النعم من المسئول عنه ، بل أنت تعلم ذلك».
(٥) أ : «من فلق البحر».
(٦) أ : «وإنجائهم».
(٧) أ : «من فعل».
(٨) حاشية ج : «أى : مطلوبهم».