وعلى هذا ، فقالوا للنبىّ صلىاللهعليهوسلم : إن التّوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم (١) بها فى صلاتنا ، فأنزل الله هذه الآية (٢).
و «السلّم» ـ بكسر السّين ـ : الإسلام (٣) ، وهو اسم جعل بمنزلة المصدر كالعطاء من أعطيت ، والنّبات من أنبتّ. والفتح لغة (٤) ، ويجوز أن يكون المراد بالفتح والكسر : الصّلح. والمراد بالصّلح الإسلام ، لأنّ الإسلام صلح ؛ ألا ترى أنّ القتال من أهله موضوع (٥) وأنّهم أهل اعتقاد واحد ويد واحدة فى نصرة بعضهم لبعض ، فسمّى الإسلام صلحا لما ذكرنا.
وقوله : (كَافَّةً) : «الكافّة» : اسم للجملة الجامعة ، لأنّها تمنع من الشّذوذ والتّفرّق. والمعنى : ادخلوا فى شرائع الإسلام جملة مانعة من شريعة لم تدخلوا فيها.
و «الكافّة» فى اللغة : الحاجزة المانعة. يقال : كففت فلانا عن السّوء (٦) فكفّ يكفّ كفّا ، سواء لفظ اللازم والمجاوز (٧). (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ :) آثاره ونزغاته فيما زيّن لكم من تحريم السّبت ولحم الجمل. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ :) ظاهر العداوة أخرج أباكم من الجنّة وقال : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ)(٨).
٢٠٩ ـ وقوله : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) يقال : زلّت قدمه تزلّ زللا وزلّا وزليلا ؛ إذا دحضت (٩). ومعنى (زَلَلْتُمْ) : تنحّيتم عن القصد والشّرائع فى تحريم السّبت ولحوم الإبل (مِنْ
__________________
(١) أ : «فلنقرأ».
(٢) كما فى (أسباب النزول للواحدى ٥٩) و (الوجيز للواحدى ١ : ٥٤) و (البحر المحيط ٢ : ١٢٠) و (الكشاف ١ : ٢٥٨).
(٣) (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٧١) و (الكشاف ١ : ٢٥٨) و (اللسان ـ مادة : سلم).
(٤) أ : «والفتح بعد يجوز». قرأ نافع وابن كثير والكسائى وأبو جعفر ـ بفتح السين ـ ، وافقهم ابن محيص ؛ وقرأ الباقون بالكسر. انظر (إتحاف البشر ١٥٦).
(٥) أى : متروك. (اللسان ـ مادة : وضع).
(٦) «أى منعته» كما نقله (الفخر الرازى ٢ : ٢٠١) عن الواحدى.
(٧) حاشية ج : «أى : المتعدى ، لأن «كفا» متعد ولازم. يعنى مصدر المتعدى واللازم بلفظ واحد ؛ بخلاف «رجع» فإنه جاء لازما ومتعديا ، ومصدر اللازم «رجوع» ومصدر المتعدى «رجع».
(٨) سورة الإسراء : ٦٢. أى : لأستأصلنهم بالإغواء ، ولأستولين عليهم. (الوجيز للواحدى ١ : ٤٨٣).
(٩) انظر (اللسان ـ مادة : زلل) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢٤).