قال سعيد بن المسيّب : أقبل صهيب مهاجرا نحو النّبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاتّبعه نفر من قريش من المشركين ، فنزل عن راحلته ، ونثر ما فى كنانته (١) ، وأخذ قوسه ، ثم قال : يا معشر قريش : [لقد علمتم](٢) أنّى من أرماكم رجلا ـ وأيم الله ـ لا تصلون إلىّ حتى أرمى بما فى كنانتى ، ثم أضرب بسيفى ما بقى فى يدى منه شىء ، ثم افعلوا ما شئتم ، فقالوا : دلنا على بيتك ومالك بمكّة ، ونخلى عنك ، وعاهدوه إن دلّهم أن يدعوه. ففعل. فلمّا قدم على النبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، قال :
«أبا يحيى ربح البيع ، ربح البيع أبا يحيى» ، فأنزل الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ / مَرْضاتِ اللهِ)(٣).
و «الشّرى» من الأضداد. يقال : شرى ؛ إذا باع ، وشرى ؛ إذا اشترى ، قال الله تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)(٤) أى : باعوه (٥).
ومعنى «بيع النّفس» ـ هاهنا ـ : بذلها لأوامر الله وما يرضاه.
ونصب (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) على المفعول له ، أى : لابتغاء مرضات الله ، ثم نزع اللّام منه.
و «المرضاة» : الرّضا. يقال : رضى رضا ومرضاة. ([وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ]).
٢٠٨ ـ قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً).
قال المفسّرون : نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه ؛ وذلك أنّهم حين آمنوا بالنّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قاموا بشرائعه وشرائع موسى ، فعظّموا السّبت ، وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعد ما أسلموا ، فأنكر ذلك عليهم المسلمون ، فقالوا : إنّا نقوى على هذا
__________________
(١) أى : استخرج ما فيها من السهام. والكنانة : جعبة السهام تتخذ من جلود لا خشب فيها ، أو من خشب لا جلود فيها (النهاية لابن الأثير) و (حاشية تفسير القرطبى ٣ : ٢٠).
(٢) ما بين الحاصرتين تكملة عن (أسباب النزول للواحدى ٥٨) و (تفسير ابن كثير ١ : ٣٦١) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢٠).
(٣) انظر (أسباب النزول للواحدى ٥٨) و (الدر المنثور ١ : ٢٤٠) و (تفسير ابن كثير ١ : ٣٦١) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢٠) و (الكشاف ١ : ٢٥٨).
(٤) سورة يوسف / ٢٠.
(٥) كما فى (اللسان ـ مادة : شرى) و (تفسير القرطبى ٣ : ٢١) و (البحر المحيط ٢ : ١١٨ ـ ١١٩).