وقوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) أى : من أوجب على نفسه فيهنّ الحجّ بالإحرام والتّلبية ، (فَلا رَفَثَ) قال المفسرون : لا جماع (وَلا فُسُوقَ) يعنى : المعاصى (١) كلّها ، (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ :) هو أن يجادل صاحبه ويماريه (٢) حتى يغضبه ، نهى المحرم عن هذا. وذكرنا وجه انتصاب قوله : (فَلا رَفَثَ) عند قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٣).
ومن قرأ : بالرّفع (٤) شبّه «لا» ب «ليس» ، كقول الشّاعر :
من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح (٥) |
ولم يختلفوا فى نصب (ولا جدال) ؛ وذلك أنّ معنى الأوليين النّهى ؛ وكأنّه قال : لا ترفثوا ولا تفسقوا ؛ ومعنى الثالث : الخبر ، لأنّ معناه : لا جدال فى أنّ الحجّ فى ذى الحجّة.
وهذا قول مجاهد وأبى عبيدة قالا : معناه : ولا شكّ فى الحجّ أنّه فى ذى الحجّة (٦) ؛ إبطالا للنّسيء (٧) الذى كان يفعله أهل الجاهليّة ؛ وأرادوا الفرق بين اللّفظين ، ليكون مخالفة ما بينهما فى اللّفظ كمخالفة (٨) ما بينهما فى المعنى.
حدّثنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفرائينيّ ـ إملاء فى مسجد عقيل ،
__________________
(١) أ : «المعصية».
(٢) حاشية ج : «مارى يمارى : يخاصم».
(٣) انظر هذا فيما سبق عند تفسير الآية ٢ من سورة البقرة صفحة (٢٧ ، ٢٨) من هذا الجزء.
(٤) منونا فيهما ؛ وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ويعقوب ـ وزاد أبو جعفر وحده فرفع «وَلا جِدالَ» كذلك ، وافقه الحسن ...» (إتحاف فضلاء البشر ١٥٥) وانظر (تفسير القرطبى ٢ : ٤٠٨) و (البحر المحيط ٢ : ٨٨).
(٥) هذا البيت فى (البحر المحيط ٢ : ٨٨) وهو فى (اللسان ـ مادة : برح) برواية : «من فر عن نيرانها» قال ابن الأثير البيت لسعد بن مالك يعرض بالحرث بن عباد ، وقد كان اعتزل حرب تغلب وبكر ابنى وائل ، ولهذا يقول :
بئس الخلاف بعدنا |
|
أولاد يشكر واللقاح |
(٦) كما فى (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٧٠) و (الحجة ٢ : ٦٢ م) وانظر (تفسير الكشاف ١ : ٢٥٥).
(٧) حاشية ج : «أى : التأخير ؛ لأن بعضهم يحج فى ذى القعدة وبعضهم فى ذى الحجة ، وكل يقول ما فعله هو الصواب».
(٨) أ : «مخالفته».