ومعنى «الاتّقاء» فى اللغة : الحجز بين الشّيئين. يقال : اتّقاه بترسه ؛ أى : جعل التّرس حاجزا بينه وبينه ؛ ومنه «التّقية فى الدّين (١)» ؛ يجعل ما يظهره حاجزا بينه وبين ما يخشاه من المكروه ؛ ومنه الحديث :
«كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فكان أقربنا إلى العدوّ».
فـ «المتّقى» : هو الذى يتحرّز بطاعته عن العقوبة ، ويجعل اجتنابه عمّا نهى عنه ، وفعله ما أمر به حاجزا بينه وبين العقوبة التى توعد بها العصاة (٢).
والمراد ب (المتقين) فى هذه الآية : المؤمنون الذين اتقوا الشّرك ، وجعلوا إيمانهم حاجزا بينهم وبين الشّرك ، كأنّه قال : القرآن بيان وهدى لمن اتّقى الشّرك ، وهم المؤمنون.
وخصّ المؤمنين بأنّ الكتاب بيان لهم دون الكفّار ـ الذين لم يهتدوا بهذا الكتاب ـ ؛ لانتفاعهم به دونهم ؛ كقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٣) وكان ـ صلىاللهعليهوسلم ـ منذرا لمن خشى ولمن لم يخش.
قال ابن الأنبارىّ : معناه (٤) هدى للمتقين والكافرين ، فاكتفى بأحد الفريقين عن الآخر ؛ كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٥) أراد : الحرّ والبرد ، فاكتفى بذكر أحدهما.
وأمّا إعراب (هُدىً) فقال الزّجاج : يجوز أن يكون موضعه نصبا على الحال ، كأنّه قال : هاديا للمتّقين ؛ ويجوز أن يكون موضعه رفعا على إضمار هو ؛ كأنّه لما تمّ الكلام قيل : هو هدى ؛ ويجوز أن يكون الوقف على قولك : (لا رَيْبَ) ، أى ذلك
__________________
(١) حاشية ج : «التقية فى الدين : عبارة عن أن يكون الشخص بين قوم يخالفونه فى اعتقاده الصحيح ، فيخاف إن أظهر اعتقاده عندهم أن يلحقوا به ضررا ، فيظهر خلاف ما اعتقده».
(٢) وقال ابن عباس : المتقى : من يتقى الشرك والكبائر والفواحش ؛ وهو مأخوذ من الاتقاء وهو الحجز بين الشيئين ، (الدر المنثور ١ : ٢٤).
(٣) سورة النازعات : ٤٥.
(٤) أ ، ب : «بيان هدى».
(٥) سورة النحل : ٨١.