قال ابن عباس : يريد إن انتهكوا لكم حرمة (١) فانتهكوا منهم مثل ذلك.
أعلم الله تعالى أنّ أمر هذه الحرمات قصاص لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على سبيل الاعتداء ، ولكن على سبيل القصاص ، كقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ)(٢) ؛ ويدلّ على هذا المعنى قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أى : ظلم فقاتل (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أى : جازوه باعتدائه ، وقاتلوه ، فسمّى الثانى اعتداء ، لأنّه مجازاة اعتداء (وَاتَّقُوا اللهَ) بطاعته واجتناب معاصيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالعون والنّصرة.
١٩٥ ـ قوله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
كلّ ما أمر الله به من الخير فهو فى سبيل الله ، وأكثر ما يستعمل (٣) فى الجهاد ، لأنّه السبيل الذى يقاتل فيه (٤).
قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
الباء فى «بأيديكم» زائدة (٥). يقال : لكلّ من أخذ فى عمل قد ألقى يديه إليه وفيه ، ومنه قول لبيد :
حتّى إذا ألقت يدا فى كافر (٦).
__________________
(١) أ : «إن انتهكوا لهم فانتهكوا».
(٢) سورة البقرة : ١٩١.
(٣) أ : «ما استعمل».
(٤) حاشية ج : «يعنى إذا أطلق السبيل يصرف إلى الجهاد».
(٥) أ : «زيادة». حاشية ج و (تفسير الكشاف ١ : ٢٥٢) «فيكون المعنى : ولا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة. عبر بالأيدى عن الأنفس ، كقوله تعالى : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ). وقيل : الباء فى موضعها ، وفيه حذف ، أى : لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة». وانظر (البحر المحيط ٢ : ٧١) و (الفخر الرازى ٢ : ١٥٨).
(٦) هذا البيت جاء معزوا فى (اللسان ـ مادة : كفر) ، وهو فى (البحر المحيط ٢ : ٧١) وتمامه :
وأجن عورات الثغور ظلامها
حاشية ج : «الكافر : الليل المظلم ؛ لأنه يستر بظلمته كل شىء ـ يعنى ظلام الليل ستر الشقوق التى فى الثغور. فرض الشاعر أن الشمس قد سقطت فى الليل المظلم ، ومراده : إنما أخذت فى الغروب».