أخبرنا أحمد بن الحسن (١) الحيري ، حدّثنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الرّبيع ، أخبرنا الشّافعىّ ، أخبرنى الثّقة ، عن الزّهرىّ ؛ حدّثنى ثابت بن قيس : أنّ أبا هريرة قال :
أخذت النّاس ريح بطريق مكّة ـ وعمر بن الخطاب حاجّ ـ فاشتدّت عليهم ، فقال عمر : لمن حوله ـ : من يحدّثنا عن الرّيح؟ ـ فلم يرجعوا إليه شيئا ـ. قال : فبلغنى الذى سأل عنه عمر من ذلك ؛ فاستحثثت راحلتى حتّى أدركته ـ فقلت (٢) : يا أمير المؤمنين ، أخبرت أنّك سألت عن الرّيح ، وأنّى سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم يقول :
«الرّيح من روح الله تأتى بالرحمة ، وتأتى بالعذاب ، فإذا رأيتموها فلا تسبّوها ، وسلوا (٣) الله خيرها ، واستعيذوا به من شرّها» (٤).
واختلف (٥) القرّاء فى (الرِّياحِ) فقرأ بعضهم بالجمع فى مواضع ، وبالتّوحيد فى مواضع (٦) ؛ والأظهر فى هذه الآية الجمع ؛ لأنّ كلّ واحدة من هذه الرّياح مثل الأخرى فى دلالتها على الوحدانيّة بتصريفها ، وإذا كان كذلك فالوجه الجمع ؛ وأمّا من وحّد فإنه يريد الجنس ، كما قالوا : «أهلك النّاس الدّينار والدّرهم».
وإذا أريد ب «الرّيح» الجنس كانت قراءة من وحّد كقراءة من جمع (٧).
وقوله : (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أى : المذلّل المطيع لله عزوجل فى الهواء (لَآياتٍ) أى : فى هذه الأشياء التى ذكرها دلالات على توحيد الله وقدرته (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
__________________
(١) ب : «أحمد بن حسن». قال الحضرمى : الحسن ـ من غير ياء بعد السين مكبرا» (عمدة القوى والقوى والضعيف الورقة ٩).
(٢) أ : «فقلت له».
(٣) أ ، ب : «واسألوا».
(٤) هذا الحديث رواه البخارى فى الأدب ، وأبو داود ، والحاكم فى مستدركه والشافعى وابن أبى شيبة وأحمد عن أبى هريرة ؛ بألفاظ مختلفة. (الدر المنثور ١ : ١٦٥) و (مختصر شرح الجامع الصغير للنووى ٢ : ٤٣).
(٥) ب : «واختلفت».
(٦) انظر (إتحاف فضلاء البشر ١٥١) و (البحر المحيط ١ : ٤٦٧) و (الفخر الرازى ٢ : ٧٣).
(٧) هذه العبارة نقلها صاحب (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٧٣) بدون عزو ، ثم قال : «فأما ما روى فى الحديث من أنه عليه الصلاة والسّلام ـ كان إذا هبت الريح ـ قال : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» ، فإنه يدل على أن مواضع الرحمة بالجمع أولى. قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [سورة الروم : ٤٦] ؛ وقال فى موضع الإفراد : (وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) [سورة الذاريات : ٤١]».