ثم أكّد عليه استقبال القبلة ـ أينما كان ـ بآيتين ؛ وهما (١) :
١٤٩ ، ١٥٠ ـ قوله : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) وإنّما كرّرت الآيتان ، لأنّ هذا من مواضع التّأكيد ؛ لأجل النّسخ الّذى نقلوا به من جهة إلى جهة.
ومعنى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) أى : للمسافرة والبروز إلى البدو (٢)(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ :) فاستقبل الكعبة أينما كنت. وما بعد هذا مضى تفسيره (٣) إلى قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)
قال أكثر المفسرين : «الناس» ـ هاهنا ـ : اليهود كانوا يحتجّون على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلى المؤمنين فى صلاتهم إلى بيت المقدس ، ويقولون : ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن ، ويقولون : يخالفنا محمد فى ديننا ويتّبع (٤) قبلتنا.
وهذا كان حجّتهم (٥) الّتى كانوا يحتجّون بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتّمويه بها على الجهّال ؛ فلمّا صرفت القبلة إلى الكعبة بطلت هذه الحجّة (٦) ، ثم قال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم المشركون ؛ فإنّهم قالوا : قد تحيّر محمد فى دينه ، فتوجّه إلى قبلتنا ، وعلم أنّا (٧) أهدى سبيلا منه ، ويوشك أن يرجع إلى ديننا ، فهؤلاء تبقى لهم الخصومة.
__________________
(١) حاشية ج : «الأولى : قوله تعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ...) ؛ والآية الثانية ، قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ..).
(٢) أ : «والبروز للبدو».
(٣) وهو قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
(٤) ب : «فيتبع».
(٥) حاشية ج : «المراد بالحجة : الاعتراض والمجادلة ، لا الحجة الحقيقية. والمجادلة تسمى حجة ، كقولهم :
(حجتهم داحضة عند ربهم) أى : باطلة من الدحوض».
(٦) حاشية ج : «الحجة قولهم : لو كان النبى صادقا فى النبوة والدعوة لما توجه إلى قبلتنا ، ويكون له قبلة مستقلة».
(٧) ب : «أننا أهدى».