كقوله : (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ)(١) ، وكقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ)(٢).
وقال ابن كيسان : «الحقّ» فى هذه الآية : الإسلام ، نحو قوله (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ)(٣). و «الباء» فى (بِالْحَقِّ) بمعنى مع ، أى : مع الحقّ ؛ كقوله : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)(٤).
وقوله : (بَشِيراً :) هو «فعيل» بمعنى : فاعل ؛ من «بشر يبشر بشرا» بمعنى : بشّر. (وَنَذِيراً) أى : منذرا ، بمعنى مخوّفا محذّرا ، كالبديع بمعنى : المبدع.
قوله (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم).
قال مقاتل : إنّ النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لو أنّ الله أنزل بأسه باليهود آمنوا (٥)» ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أى : لست بمسئول عنهم ، وليس عليك من شأنهم عهدة ولا تبعة ، فلا تحزن عليهم.
وقرأ نافع : «ولا تسأل» ـ بفتح «التّاء» وجزم «اللام» (٦) ـ ؛ على النّهى للنّبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ وذلك أنّه سأل جبريل عن قبر أبيه وأمّه ، فدلّه عليهما ، فذهب إلى القبرين ، فدعا لهما ، فتمنّى أن يعرف حال أبويه فى الآخرة ؛ فنزل (٧) قوله : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ.)
و (الْجَحِيمِ) : النّار المتلظّية العظيمة ، يقال : «جحمت النّار تجحم جحوما ، فهى
__________________
(١) سورة الزخرف : ٢٩.
(٢) سورة ق : ٥.
(٣) سورة الإسراء : ٨١.
(٤) سورة المائدة : ٦١.
(٥) فى (الوجيز للواحدى ١ : ٣٢) و (أسباب النزول للواحدى ٣٧) (لآمنوا).
(٦) بلا الناهية ـ بالبناء للفاعل ـ ، والنهى هنا جار على سبيل المجاز ؛ لتفخيم ما وقع به أهل الكفر من العذاب ... وقرأ الباقون : بضم التاء ورفع اللام ؛ على البناء للمفعول بعد لام النافية ، والجملة مستأنفة (إتحاف فضلاء البشر ١٤٦ ـ ١٤٧ وانظر (تفسير القرطبى ٢ : ٩٢ ـ ٩٣) ، (والبحر المحيط ١ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨) و (الفخر الرازى ١ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧).
(٧) ب : «فنزلت ..». راجع (تفسير الطبرى ٢ : ٥٥٨) وما بعدها ، و (أسباب النزول للواحدى ٣٦ ـ ٣٧) و (الدر المنثور ١ : ١١١) و (تفسير ابن كثير ١ : ٢٣٤) و (البحر المحيط ١ : ٣٦٨) و (تفسير القرطبى ٢ : ٩٢ ـ ٩٣) و (الفخر الرازى ١ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧).