وقرأ أبو عمرو : (ننسأها) (١) ـ مفتوحة النّون ، مهموزة ـ ؛ من النّسء ، بمعنى : التّأخير. يقال : نسات الإبل عن الحوض ؛ أى أخّرتها عنه (٢).
ومعنى «التّأخير» فى الآية : أن يؤخّر (٣) التنزيل ، فلا ينزّل ولا يعلّم ، ولا يعمل به ولا يتلى.
والمعنى : نؤخّرها إلى وقت ثان ، فنأتى بدلا منها فى الوقت المتقدّم بما يقوم مقامها. ومعنى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أى : أصلح لمن تعبّد بها ، وأنفع لهم ، وأسهل عليهم ، وأكثر لأجرهم ، لا أنّ آية خير من آية. (أَوْ مِثْلِها) فى المنفعة والمثوبة ، بأن يكون ثوابها كثواب الّتى قبلها. والفائدة فى ذلك : أن يكون النّاسخ أسهل فى المأخذ من المنسوخ والإيمان به ، والنّاس إليه أسرع ، نحو القبلة الّتى كانت / على جهة (٤) ، ثم حوّلت إلى الكعبة ؛ فهذا ـ وإن كان السّجود إلى سائر النّواحى متساويا فى العمل والثّواب ، فالّذى أمر الله به فى ذلك الوقت كان الأصلح والأدعى (٥) للعرب وغيرهم إلى الإسلام.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى : من النّسخ والتّبديل ، وغيرهما.
١٠٧ ـ قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ) استفهام معناه : التّقرير. (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «الملك» : تمام القدرة واستحكامها.
والمعنى : أنّه يملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ ، فهو أعلم بما يتعبّدهم (٦) به من ناسخ ومنسوخ.
__________________
(١) كما فى (اللسان ـ مادة : نسأ) وكذا ابن كثير ، وافقهما ابن محيصن واليزيدى ؛ والباقون ـ بضم النون وكسر السين بلا همز. (إتحاف فضلاء البشر ١٤٥) و (تفسير القرطبى ٢ : ٦٧ ـ ٦٨) و (تفسير ابن كثير ١ : ٢١٥) و (البحر المحيط ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤) و (الدانى ٧٦) و (معانى القرآن للفراء ١ : ٦٤ ـ ٦٥) و (الفخر الرازى ١ : ٤٥٦) قال الطبرى : «وأولى القراءات بالصواب من قرأ : «أَوْ نُنْسِها» بمعنى : نتركها ؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه مهما بدل حكما أو غيره ، أولم يبدله ولم يغيره ، فهو آتية بخير منه أو مثله» : (تفسير الطبرى ٢ : ٤٧٨).
(٢) أ ، ب : «إذا أخرتها».
(٣) ب : «ليؤخر» وهو تحريف.
(٤) ب : «إلى جهة». وقد أفاض السيوطى فى هذا البحث ، ونقل روايات كثيرة فيه فى (الإتقان فى علوم القرآن ٢ : ٢٤ ـ ٣٢).
(٥) ب : «كان أصلح وأدعى».
(٦) حاشية ج : «فاعل «يتعبدهم» ضمير عائد إلى الله تعالى ، معناه : يأمرهم الله تعالى».