وقوله تعالى : (أَوْ نُنْسِها.) «النّسيان» : ضدّ الذّكر (١) ، و «الإنساء» منقول منه. يقال : «نسى الشّىء ، وأنسيته الشّىء» : إذا جعلته ينساه.
ومعنى الآية : إنّا إذا رفعنا آية من جهة النّسخ أو الإنساء لها ، أتينا بخير من الّذى ترفعه بأحد هذين الوجهين ، وهما (٢) النّسخ والإنساء ؛ وقد يقع النّسخ بالإنساء ، وهو ما أخبرنا الحسن بن محمد (٣) الفارسىّ ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التّاجر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزّهرىّ ، أخبرنى أبو أمامة بن سهل بن حنيف :
أن رهطا من الأنصار ، من أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أخبروه أنّه قام رجل منهم «من» (٤) جوف اللّيل ، يريد أن يفتتح سورة (٥) قد كان وعاها ، فلم يقدر منها على شىء إلّا : (بسم الله الرّحمن الرّحيم) ؛ فأتى باب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، ـ حين أصبح ـ ، ليسأل النبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن ذلك ؛ ثم جاء آخر وآخر ، حتّى اجتمعوا ، فسأل بعضهم بعضا : ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السّورة ؛ ثم أذن لهم النبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، فأخبروه خبرهم ، وسألوا عن السّورة (٦) ، فسكت ساعة ، لا يرجع إليهم شيئا ، ثم قال : «نسخت البارحة من «صدورهم» (٧) ، ومن كلّ شىء كانت فيه».
__________________
(١) كما فى (اللسان ـ مادة : نسى) وفيه قال الفراء : عامة القراء يجعلون قوله : «أو ننساها» من النسيان ؛ والنسيان ـ هاهنا ـ على وجهين : أحدهما ـ على الترك ؛ نتركها فلا ننسخها ، كما قال الله جل ذكره : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [سورة التوبة : ٦٧] ، يريد : تركوه فتركهم ؛ والوجه الآخر ـ من النسيان الذى ينسى ، كما قال الله :
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) [سورة الكهف : ٢٤] «و (معانى القرآن للفراء ١ : ٦٤ ـ ٦٥).
(٢) ب : «وهى النسخ» تحريف.
(٣) ج : الحسن بن يحيى» تحريف ، والإثبات عن أ ، ب و (أسباب النزول للواحدى ٣٢).
(٤) ج : «فى» والإثبات عن أ ، ب و (الدر المنثور ١ : ١٠٥).
(٥) ب : «بسورة كان قد».
(٦) ب : «وسألوه عن تلك السورة ؛».
(٧) ب ، ج : «من صدوركم» والإثبات عن أو (الدر المنثور ١ : ١٠٥) وفيه : «نسخت البارحة فنسخت من صدورهم» وفى (تفسير القرطبى ٢ : ٦٣) بلفظ : «فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنها مما نسخ الله البارحة».