وهذا نسخ إلى بدل (١) ؛ لأنّ الظلّ يزول ويبطل وتكون الشّمس بدلا عنه.
ويجوز النسخ إلى غير بدل ؛ وهو رفع الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا ؛ يقال : «نسخت الرّيح الآثار» أى : أبطلتها وأزالتها. والمعروف من النّسخ فى القرآن : إبطال الحكم مع إثبات الخطّ (٢) ؛ وهو أن تكون الآية النّاسخة والمنسوخة ثابتتين فى التّلاوة ، إلّا أنّ المنسوخة لا يعمل بها ؛ مثل «عدّة المتوفّى عنها زوجها» كانت سنة ؛ لقوله تعالى : (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)(٣) ، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر ؛ لقوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٤) ، وكقوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ ...)(٥) الآية ، ثم نسخت بقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ...)(٦) الآية.
وقرأ ابن عامر : ما ننسخ ـ بضم النّون (٧) ، من أنسخت الآية ؛ أى وجدتها منسوخة ، كقولك (٨) : «أحمدت الرجل وأجببته ، وأكذبته ، وأبخلته» ؛ أى : وجدته (٩) على هذه الأحوال.
فيكون معنى قوله : (ما نَنْسَخْ :) نجده منسوخا ، وإنّما نجده كذلك (١٠) لنسخه إيّاه ، وإذا كان كذلك كان معنى قراءة ابن عامر كمعنى قراءة من قرأ : (نَنْسَخْ)(١١) بفتح النّون ـ يتّفقان فى المعنى ، وإن اختلفا فى اللّفظ.
__________________
(١) أ ، ب : «فهذا النسخ».
(٢) حاشية ج : «أى : خط المنسوخ».
(٣) سورة البقرة : ٢٤٠.
(٤) سورة البقرة : ٢٣٤.
(٥) سورة الأنفال : ٦٥.
(٦) سورة الأنفال : ٦٦.
(٧) أى : نون المضارعة ، وكسر السين مضارع أنسخ ؛ والباقون بفتحهما مضارع نسخ ، وبه قرأ الداجونى عن أصحابه ، عن هشام. (إتحاف فضلاء البشر ١٤٥) وانظر (تفسير القرطبى ٢ : ٦٧) و (البحر المحيط ١ : ٤٥٦) و (اللسان ـ مادة : نسخ).
(٨) أ ، ب : «كقولهم».
(٩) أب : «أى : أصبته».
(١٠) ب : «نجده منسوخا كذلك».
(١١) ب : «ما نَنْسَخْ».