إن كنتم مؤمنين فلم تقتلون أنبياء الله ؛ لأنّه ليس سبيل المؤمنين أن يقتلوا الأنبياء ، ولا أن يتولّوا قاتليهم.
٩٢ ـ (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) يعنى : العصا ، واليد ، وفلق البحر ، وما أوتى موسى من الدّلالات الواضحة ، (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) أى : من بعد انطلاقه إلى الجبل ([وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ]).
وهذه الآية توبيخ لليهود على كفرهم ، وعبادتهم العجل ، بعد ما رأوا آيات موسى عليهالسلام ، وبيان أنّهم إن كفروا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فليس بأعجب من كفرهم فى زمان موسى عليهالسلام!
٩٣ ـ وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) مفسّر فيما سبق (١) إلى قوله : (وَاسْمَعُوا) أى : ما فيه من حلاله وحرامه. (قالُوا سَمِعْنا) ما فيه ، (وَعَصَيْنا) ما أمرنا به (٢).
وقال الحسن : (قالُوا سَمِعْنا) بألسنتهم ، (وَعَصَيْنا) بقلوبهم.
والمفسّرون اتّفقوا على أنّهم قالوا : (سَمِعْنا) لمّا أظلّ الجبل فوقهم ، فلمّا كشف عنهم ، قالوا : (عَصَيْنا).
وقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) «الإشراب» : خلط لون بلون (٣). يقال : «أبيض مشرب حمرة» (٤) : إذا كان يخالطه حمرة.
قال أبو عبيدة والزّجاج : معناه سقوا حبّ العجل وخلطوا به حتّى اختلط بهم ، وبيّن أنّ محلّ ذلك الحبّ قلوبهم ، وأنّ الخلط حصل فيها ، فأسند الفعل أوّلا إلى الجملة ، ثم خصّ القلوب ، كما تقول : «ضربوا على رءوسهم» ، وأراد : حبّ العجل ، فحذف المضاف ؛ كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٥).
__________________
(١) انظر معنى ذلك فيما تقدم عند تفسير الآية ٦٣ من سورة البقرة صفحة ١٢٢ ، ١٢٣.
(٢) قال الفراء : سمعنا قولك وعصينا أمرك (معانى القرآن للفراء ١ : ٦١).
(٣) «كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر» (اللسان ـ مادة : شرب).
(٤) أ : «أبيض مشربه حمرة».
(٥) سورة يوسف : ٨٢. انظر (معانى القرآن للفراء ١ : ٦١) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٤٧) و (تفسير القرطبى ٢ : ٣١) و (البحر المحيط ١ : ٣٠٨ ، ٣٠٩) و (اللسان ـ مادة : شرب) قال الطبرى : «وأولى التأويلين : تأويل من قال : وأشربوا فى قلوبهم حب العجل ؛ لأن الماء لا يقال منه : أشرب فلان فى قلبه ، وإنما يقال ذلك فى حب الشىء ، فيقال منه ؛ «أشرب فلان حب كذا» بمعنى : سقى ذلك حتى غلب عليه وخالط قلبه ..» (تفسير الطبرى ٣٥٨ ـ ٣٥٩).