وراءه) : بما بعده (١) ، أى : ما بعد التّوراة. يريد الإنجيل والقرآن ، ومثل هذا قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٢) أى : ما بعده وما سواه. وقوله : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ)(٣) مثله.
وقوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُ) يعنى ما وراء التّوراة من الإنجيل والقرآن.
أخبر الله تعالى أنّ ما يكفرون به هو الحقّ (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ.)
قال الزّجاج : فى هذا دلالة على أنّهم قد كفروا بما معهم ؛ إذ كفروا بما يصدّق ما معهم. قال : ونصبت (مُصَدِّقاً) على الحال (٤).
ثمّ أمر نبيّه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يحتجّ عليهم بقوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ؟) وهذا تكذيب لقولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) أى : أىّ كتاب جوّز فيه قتل نبىّ ، وأىّ دين وإيمان جوّز فيه ذلك؟
والمراد بلفظ الاستقبال ـ هاهنا ـ المضىّ. وجاز ذلك لأنّه لا يذهب الوهم إلى غيره ، لقوله : (مِنْ قَبْلُ) ؛ ودليل هذا قوله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ)(٥) وأضاف القتل إلى المخاطبين ، وإن كان آباؤهم قد قتلوا ؛ لأنّهم كانوا يتولّون الذين قتلوا فهم على مذهبهم ، وإذا كانوا كذلك فقد شركوهم.
قال ابن عبّاس : كلّما عملت معصية فمن أنكرها برئ (٦) منها ، ومن رضى بها كان كمن شهدها.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) «إن» بمعنى الشّرط ، وجوابها قبلها ، على تقدير :
__________________
(١) كما روى عن قتادة وأبى العالية والربيع : فى (تفسير الطبرى ٢ : ٣٤٩) و (الدر المنثور ١ : ٨٩) و (البحر المحيط ١ : ٣٠٧) و (تفسير القرطبى ٢ : ٢٩) وبدون عزو فى (تفسير ابن كثير ١ : ١٨٠) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٤٧).
(٢) سورة النساء : ٢٤.
(٣) سورة المؤمنون : ٧ ، والمعارج : ٣١.
(٤) قال أبو حيان فى (تفسير البحر المحيط ١ : ٣٠٧) «حال مؤكدة ؛ إذ تصديق القرآن لازم لا ينتقل». وانظر (تفسير القرطبى ٢ : ٢٩).
(٥) سورة آل عمران : ١٨٣.
(٦) ب : «فقد برىء».