٩٠ ـ وقوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ [أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ])
«بئس» : لفظ (١) وضع للذّمّ يخبر به (٢) عن الشّىء المذموم ، وهو مستوف لجميع الذّمّ. ومعنى «الاشتراء» ـ هاهنا ـ البيع (٣) ، وهو من الأضداد.
والمعنى : بئس الشّىء باعوا به أنفسهم الكفر.
يريد : أنّهم اختاروا الكفر وأخذوه وبذلوا أنفسهم للنّار ؛ لأن اليهود ـ خصوصا ـ علموا صدق محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ، وأنّ من كذّبه فالنّار عاقبته. فاختاروا الكفر ، وسلّموا أنفسهم للنّار ، فكان ذلك كالبيع منهم.
وقوله تعالى : (بَغْياً) أى : حسدا (٤). قال اللّحيانىّ : «يقال» (٥) : بغيت على أخيك بغيا» أى : حسدته. فالبغى أصله : الحسد ، ثم سمّى الظّلم بغيا ، لأنّ الحاسد يظلم المحسود جهده ، طلبا لإزالة نعمة الله عنه. قال الله تعالى : (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ)(٦) وقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ)(٧).
قال ابن عباس : إنّ كفر اليهود لم يكن شكّا ولا اشتباها ، ولكن كان بغيا منهم ؛ حيث صارت النّبوّة فى ولد إسماعيل عليهالسلام.
وقال السّدّىّ : لما جاءهم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كفروا به حسدا ، وقالوا : إنّما كانت الرّسل من بنى إسرائيل ، فما بال هذا من بنى إسماعيل (٨)؟.
__________________
(١) أ : «لفظ بئس».
(٢) حاشية ج «بل المراد به : أنه وضع ليدل على الشىء المدموم».
(٣) انظر (معانى القرآن للفراء ١ : ٥٦) و (تفسير الطبرى ٢ : ٣٤١) و (اللسان ـ مادة : شرى) و (تفسير القرطبى ٢ : ٢٨) و (البحر المحيط ١ : ٣٠٥).
(٤) روى هذا المعنى عن قتادة والسدى وأبى العالية والربيع ؛ كما فى (تفسير الطبرى ٢ : ٣٤٢) و (تفسير القرطبى ٢ : ٢٨) و (البحر المحيط ١ : ٣٠٥).
(٥) الإثبات عن أ ، ب ، وانظر قول اللحيانى هذا وما بعده فى (اللسان ـ مادة : بغى)
(٦) سورة الحج : ٦٠.
(٧) سورة الشورى : ٣٩.
(٨) كما فى (تفسير الطبرى ٢ : ٣٤٢ ، ٣٤٤).