يقتتلون [فى حرب سمير](١) ، فيقاتل بنو قريظة مع الأوس ، النّضير (٢) مع الخزرج ، فإذا غلبوا خرّبوا ديارهم ، وأخرجوهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتّى يفدوه ؛ فتعيّرهم العرب بذلك ، وتقول (٣) : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ (٤) فيقولون : إنّا قد أمرنا أن نفديهم ، وحرّم (٥) علينا قتالهم. قالوا : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنّا نستحيى أن تستذل حلفاؤنا ؛ فذلك حين عيّرهم الله تعالى فقال / : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ).
[وقوله](٦) : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) قرئ : بتخفيف الظاء (٧) ، وتشديدها ؛ فمن شدّد أدغم التّاء فى الظاء لمقارنتها ؛ ومن خفّف حذف التّاء كراهة لاجتماع المثلين.
والمعنى : تتعاونون على أهل ملّتكم بالمعصية والظّلم.
و «المظاهرة» : المعاونة ؛ ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ)(٨) ، وقوله : (سِحْرانِ تَظاهَرا)(٩).
وقوله تعالى : (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).
(الْعُدْوانِ) : الإفراط فى الظّلم. يقال : «عدا عدوا وعدوانا وعدوّا وعداء».
__________________
(١) تكملة عن (تفسير الطبرى ٢ : ٢٠٦) و (تفسير ابن كثير ١ : ١٧٤) و (سيرة ابن هشام ١ : ٥٤٠ ـ ٥٤١) وهى حرب كانت بين الأوس والخزرج أيام الجاهلية. وسمير رجل من بنى عمرو بن عوف. انظر خبر هذه الحرب فى (الأغانى ٣ : ١٨ ـ ٢٦).
(٢) أ ، ب : «والنضير».
(٣) أ : «فتقول».
(٤) ب : «كيف تقاتلوهم وتفدوهم».
(٥) ب : «وحرمنا».
(٦) إضافة للبيان والإيضاح.
(٧) هذه قراءة عاصم وحمزة والكسائى. وقرأ باقى السبعة بالتشديد ، كما فى .. (تفسير البحر المحيط ١ : ٢٩١) و (تفسير القرطبى ٢ : ٢٠) و (إتحاف فضلاء البشر ١٤٤). قال الطبرى : وهاتان القراءتان ، وإن اختلفت ألفاظهما ، فإنهما متفقتا المعنى ، فسواء بأى ذلك قرأ القارئ ؛ لأنهما جميعا لغتان معروفتان ، وقراءتان مستفيضتان فى أمصار الإسلام بمعنى واحد» (تفسير الطبرى ٢ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨).
(٨) سورة التحريم : ٤.
(٩) سورة القصص : ٤٨. هذه قراءة نافع ـ وعليها المصنف ـ وقرأ الكوفيون «سِحْرانِ» (تفسير القرطبى ١٣ : ٢٩٤) وانظر توجيه القراءتين فى (إتحاف فضلاء البشر ٣٤٣).