ويجوز أن يكون معنى «الدّنوّ» فى قرب القيمة. يقول : أتأخذون ما هو أقلّ قيمة بدلا بالّذى هو خير فى القيمة؟
ويجوز أن يكون (أَدْنى) من الدّناءة ؛ وهى الخسّة. وترك همزها. والمعنى : أتستبدلون ما هو أوضع وأخسّ بالّذى هو خير ؛ وهذا اختيار الفرّاء (١).
قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً [فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ].)
أى : انزلوا مصرا من الأمصار ، فإنّ الّذى سألتم لا يكون إلّا فى القرى والأمصار.
وفى الكلام إضمار كأنّه قيل : فدعا موسى فاستجبنا له (٢) ، وقلنا لهم : (اهْبِطُوا مِصْراً.) ويجوز أن يكون أراد مصر بعينها ، وصرفها لخفّتها ، وقلّة حروفها ، مثل : «جمل ، ودعد ، وهند».
قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) أى : ألزموها إلزاما لا تبرح عنهم ؛ وأصله من ضرب الشّىء على الشّىء ، كما يضرب (٣) المسمار على الشّىء فيلزمه.
يقال : ضرب فلان على عبده ضريبة ، وضرب السّلطان على التّجّار ضريبة ، أى : ألزمهم شيئا معلوما يؤدّونه إليه. و «الذّلّة» : الذّلّ ، (وَالْمَسْكَنَةُ) مصدر فعل المسكين ، يقال : تمسكن الرّجل ؛ إذا صار مسكينا.
قال الحسن وقتادة : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ.) هى أنّهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون (٤).
وقال عطاء بن السّائب : هى الكستيج (٥) وزىّ اليهودية. و (الْمَسْكَنَةُ) : زىّ
__________________
(١) (معانى القرآن للفراء ١ : ٤٢) و (تفسير الطبرى ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١).
(٢) أ : «فاستجيب له». انظر (الوجيز للواحدى ١ : ١٧).
(٣) أ : «كما تضرب».
(٤) على ما فى (تفسير الطبرى ٢ : ١٣٧) و (تفسير ابن كثير ١ : ١٤٦) و (الدر المنثور ١ : ٧٣) و (تفسير القرطبى ١ : ٤٣) و (البحر المحيط ١ : ٢٣٦).
(٥) حاشية ج : «قيل : الكستيج : نطاق يشبه زنار النصارى» وفى (غرائب اللغة ٢٤٢) «هو خيط غليظ كالإصبع يقوم مقام منطقة».