٥١ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(١)
قال المفسرون : إنّ الله تعالى لمّا أنجى موسى وبنى إسرائيل ، وأغرق فرعون ، وأمن بنو إسرائيل من عدوّهم ، ودخلوا مصر ، ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ممهّدة ، فواعد الله موسى أن يؤتيه الكتاب ، فيه بيان ما يأتون وما يذرون (٢) ، وأمره أن يصوم ثلاثين يوما ، فصامه وصالا ، ولم يطعم شيئا ، فتغيّرت رائحة فمه ، فعمد إلى لحاء شجرة (٣) فمضغها ، فأوحى الله إليه :
«أما علمت أنّ خلوف فم الصّائم أطيب عندى من ريح المسك» ، وأمره أن يصل بها عشرا (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٤) وخرج موسى من بين بنى إسرائيل (٥) تلك الأيّام ؛ فاتّخذ السّامرىّ عجلا ، وقال لبنى إسرائيل : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(٦) ؛ فافتتن بالعجل ثمانية آلاف رجل منهم ، وعكفوا عليه يعبدونه (٧).
وقراءة (٨) أكثر القرّاء : (واعَدْنا)(٩) من المواعدة (١٠) ، لأنّ ما كان من الله تعالى من الوعد ، ومن موسى من القبول ، والتّحرّى لإنجازه يقوم مقام الوعد ، فصار كالتواعد من الفاعلين. وأيضا فإنّ المفاعلة قد تقع من الواحد ، وقد ذكرنا (١١).
وقرأ أبو عمرو (١٢) : «وعدنا» ـ بغير ألف ـ لكثرة ما جاء فى القرآن من هذا القبيل
__________________
(١) حاشية ج : «موسى : اسم عبرى عرب ، و «مو» بالعبرانية : الماء ، و «شى» : الشجر».
(٢) حاشية ج : «أى : بيان المأمورات والمنهيات. ويذرون : يتركون».
(٣) أى : قشر شجر .. (اللسان ـ مادة : لحا).
(٤) سورة الأعراف : ١٤٢. حاشية ج : «ذو القعدة بكماله وعشر من ذى الحجة».
(٥) ب : «من بنى إسرائيل».
(٦) سورة طه : ٨٨.
(٧) هذا المعنى جاء مطولا فى (تفسير الطبرى ٢ : ٦٢ ـ ٦٩).
(٨) أ : «وقرأه» ، ب : «وقرأ».
(٩) رويت هذه القراءة عن مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة والكسائى ؛ على ما فى (تفسير القرطبى ١ : ٣٩٤) وانظر (إتحاف فضلاء البشر ١٣٦).
(١٠) حاشية ج : «هو من المفاعلة التى تكون بين الواحد. قال الزجاج : كان من الله الأمر ومن موسى القبول فلذلك ذكر بلفظ المواعدة».
(١١) انظر فيما تقدم عند معنى الآية ٩ من سورة البقرة صفحة (٣٨ ـ ٣٩).
(١٢) كما جاء فى (تفسير الطبرى ٢ : ٥٩).