على مر الليالى تنخفض الهمم وتتراجع ، حتى عادوا بلها قطرة ، ولم نشاهد مما كانت عليه ذرة ، ذلك قضاء من الله تعالى مبرم ، ووعد من الرسول محكم ، بانتزاع العلم وقبضه» ثم روى بسنده عن عبد الله ابن عمر : أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال :
«إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ؛ كلّما ذهب عالم ذهب بما معه ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهّالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا».
صدق ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد قبضت الفحول ، وهلكت الوعول ، وانقرض زمان العلم ، وخمدت جمرته ، وهزمته كرة الجهل ، وعلت دولته ، ولم يبق إلا صبابة نتجرعها ، وأطمار نجتابها ونتدرعها ، وعليها يحال ، فإنى كنت قد ابتدأت بإبداع كتاب فى التفسير لم أسبق إلى مثله ، وطال علىّ الأمر فى ذلك لشرائط تقلدتها ، ومواجب لحق النصيحة لكتاب الله تحملتها ، ثم استعجلنى ـ قبل إتمامه ، والتفصى عما لزمنى من عهدة إحكامه ـ نفر متقاصر والرغبات ، منخفضو الدرجات ، أولو البضائع المزجاة ، إلى إيجاز كتاب فى التفسير يقرب على من يتناوله ، ويسهل على من يتأمله ، من أوجز ما عمل فى بابه ، وأعظم عائدة على متحفظيه وأصحابه. وهذا كتاب أنا فيه نازل إلى درجة أهل زماننا ، تعجيلا لمنفعتهم ، وتحصيلا للمثوبة فى إفادتهم ، بما تمنوه طويلا ، فلم يغن عنهم أحد فتيلا ، وتارك ما سوى قول واحد معتمد لابن عباس. ـ رحمهالله ـ ، أو من هو فى مثل درجته ، كما يترجم عن اللفظ العويص بأسهل منه ، وهذا حين أفتتحه فأقول :
«سورة الفاتحة»
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أى ابتدءوا وافتتحوا بحمد الله تيمنا وتبركا. و (اللهِ :)
اسم تفرد به البارى سبحانه ، يجرى فى وصفه مجرى الأسماء الأعلام ، لا يعرف له اشتقاق ، وقيل معناه : ذو العبادة التى بها يقصد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :) صفتان لله تعالى ، معناهما : ذو الرحمة ، وهى إرادته الخير. ولا فرق بينهما ، نحو ندمان ونديم»
وبهذا العرض يتبين الفرق بين كتابى «البسيط» و «الوجيز» للواحدى.