والموحّد عهده الامتحاء (١) عنه ، وإفراده إياه بجميع الوجوه والعبد منهىّ عن تقصير عهده ، مأمور بالوفاء به.
قوله جل ذكره : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ)
من نقض عهده أفسد بآخر أمره أوّله ، وهدم بفعله ما أسّسه ، وقلع بيده ما غرسه ، وكان كمن نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (٢) ، أي من بعد ما أبرمت فتله.
وإنّ السالك إذا وقعت له فترة ، والمريد إذا حصلت له فى الطريق وقفة ، والعارف إذا حصلت له حجبة (٣) ، والمحبّ إذا استقبلته فرقة ـ فهذه محن عظيمة ومصائب فجيعة ، فكما قيل :
فلأبكينّ على الهلال تأسّفا |
|
خوف الكسوف عليه قبل تمامه |
فما هو إلا أن تكسف شمسهم ، وينطفىء ـ فى الليلة الظلماء ـ سراجهم ، ويتشتّت من السماء ضياء نجومهم ، ويصيب أزهار أنسهم وربيع وصلهم إعصار فيه بلاء شديد ، وعذاب أليم. فإنّ الحقّ ـ سبحانه إذا أراد بقوم بلاء فكما يقول : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٤) فإنّ آثار سخط الملوك موجعة ، وقصة إعراض السلطان موحشة وكما قيل :
والصبر يحسن فى المواطن كلها |
|
إلا عليك ـ فإنّه مذموم |
__________________
(١) القشيري مستفيد من قول بعض الشيوخ : المحبة محو المحب بصفاته وإثبات المحبوب بذاته.
«الرسالة ص ١٥٨»
(٢) أنكاثا جمع نكث وهو ما ينكث قتله ، وقيل هى ربطة ، وكانت حمقاء تغزل هى وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن غزلهن.
(٣) وردت (محبة) وهى خطأ فى النسخ ، وقد اخترنا (حجبة) لأنها أقرب إلى السياق ، ومشابهة فى الكتابة لكلمة (محبة) حيث يحتمل أن يحدث الالتباس فى حرف الميم عند النقل.
(٤) آية ١١٠ سورة الأنعام.