وإذا كان نصيب العوام بذل الإنصاف وكفّ الأذى فإنّ صفة الخواص ترك الانتصاف ، وإسداء الإنعام ، وترك الانتقام ، والصبر على تحمّل ما يصيبك من البلوى.
وأما الإحسان فيكون بمعنى العلم ـ والعلم مأمور به ـ أي العلم بحدوث نفسه ، وإثبات محدثه بصفات جلاله ، ثم العلم بالأمور الدينية على حسب مراتبها. وأما الإحسان فى الفعل فالحسن منه ما أمر الله به ، وأذن لنا فيه ، وحكم بمدح فاعله.
ويقال الإحسان أن تقوم بكل حقّ وجب عليك حتى لو كان لطير فى ملكك ، فلا تقصر فى شأنه.
ويقال أن تقضى ما عليك من الحقوق وألا تقتضى لك حقا من أحد.
ويقال الإحسان أن تترك كل مالك عند أحد ، فأما غير ذلك فلا يكون إحسانا. وجاء فى الخبر : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» وهذه حال المشاهدة التي أشار إليها القوم.
قوله : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) إعطاء ذى القرابة ، وهو صلة الرّحم ، مع مقاساة ما منهم من الجور والجفاء والحسد.
(يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) : وذلك كلّ قبيح مزجور عنه فى الشريعة.
قوله جل ذكره : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١))
يفرض على كافة المسلمين الوفاء بعهد الله فى قبول الإسلام والإيمان ، فتجب عليهم استدامة الإيمان. ثم لكلّ قوم منهم عهد مخصوص عاهدوا الله عليه ، فهم مطالبون بالوفاء به ؛ فالزاهد عهده ألا يرجع إلى الدنيا ، فإذا رجع إلى ما تركه منها فقد نقض عهده ولم يف به. والعابد عاهده فى ترك الهوى. والمريد عاهده فى ترك العادة ، وآثره بكل وجه. والعارف عهده التجرد له ، وإنكار ما سواه. والمحب عهده ترك نفسه معه بكل وجه (١).
__________________
(١) إشارة إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «المرء مع من أحب».