هنالك تنسكب العبرات ، وتشق الجيوب ، وتلطم الخدود ، وتعطّل العشار ، وتخرّب المنازل ، وتسودّ الأبواب ، وينوح النائح :
وأتى الرسول فأخ |
|
بر أنهم رحلوا قريبا |
رجعوا إلى أوطانهم |
|
فجرى لهم دمعى صبيبا |
وتركن نارا فى الضلوع |
|
وزر عن فى رأسى مشيبا |
قوله جل ذكره : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
بلاء كلّ واحد على ما يليق بحاله ؛ فمن كان بلاؤه بحديث النّفس أو ببقائه عن هواه ، وبحرمانه لكرائمه فى عقباه فاسم البلاء فى صفته مجاز ، وإنما هذا بلاء العوام. ولكنّ بلاء الكرام غير هذا فهو كما قيل :
من لم يبت ـ والحبّ ملء فؤاده |
|
لم يدر كيف تفتّت الأكباد |
قوله جل ذكره : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))
ليست واقعة القوم بخسران يصيبهم فى أموالهم ، أو من جهة تقصيرهم فى أعمالهم ولما ضيّعوه من أحوالهم .. فهذه ـ لعمرى ـ وجوه وأسباب ، ولكنّ سرّ القصة كما قيل :
أنا صب لمن هويت ولكن |
|
ما احتيالى بسوء رأى الموالي؟ |
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) : لو شاء الله سعادتهم لرحمهم ، وعن المعاصي عصمهم ، وبدوام الذكر ـ بدل الغفلة ـ ألهمهم .. ولكن سبقت القسمة فى ذلك ، وما أحسن ما قالوا :
شكا إليك ما وجد |
|
من خانه فيك الجلد |
حيران .. لو شئت اهتدى |
|
ظمآن ... نو شئت ورد |