ويقال التقى آدم بإبليس بعد ذلك فقال له : يا شقىّ! وسوست إلىّ وفعلت! ، فقال إبليس لآدم. يا آدم! هب أنّى كنت إبليسك فمن كان إبليسى!؟.
قوله جل ذكره : (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما).
وفى ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال : (لِيُبْدِيَ لَهُما) فلم يطلع على سوأتهما غيرهما.
قوله جل ذكره : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ).
تاقت أنفسهما إلى أن يكونا ملكين ـ لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليهالسلام ـ ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما.
ويقال لمّا طمعا فى الخلود وقعا فى الخمود ، ووقعا فى البلاء والخوف ؛ وأصل كلّ محنة الطمع.
ويقال إذا كان الطمع فى الجنة ـ وهى دار الخلود ـ أوجب كلّ تلك المحن فالطمع فى الدنيا ـ التي هى دار الفناء ـ متى يسلم صاحبه من ذلك؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيب أنفسهما ، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى ، وهذا أولى لأنه يوجب تنزيه محلّ النبوة. وقيل ساعات الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة ، فما لبثا فى دار الوصلة إلّا بعضا من النهار ؛ دخلا ضحوة النهار وخرجا نصف النهار! ويقال إن الفراق عين تصيب أهل الوصلة ، وفى معناه قال قائلهم :
إن تكن عين أصابتك فما |
|
إلا لأنّ العين تصيب الحسنا |
ويقال حين تمّت لهما أسباب الوصلة ، ووطّنا نفوسهما على دوام القربة بدا الفراق من مكامنه فأباد من شملهما (ما) (١) انتظم ، كما قيل :
__________________
(١) وردت (فانتظم) والصواب (ما انتظم)