عن الباقي ، حتى تقوموا به كما أمرتم؟ أما علمتم أن من فرّق بين ما أمر به فآمن ببعض وكفر ببعض فقد حبط ـ بما ضيّعه ـ أجر ما عمله.
قوله جل ذكره : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
أي ظنوا أن ما فعلوه نفعهم ، فانكشف لهم فى الآخرة أن جميع ما فعلوه ـ لمّا مزجوه بالآفات وجرّدوه عن الصدق والإخلاص ـ غير مقبول منهم.
والأسراء أصناف : فمن أسير غرق فى بحار الهوى فإنقاذه بأن تدلّه على الهدى. ومن أسير بقي فى أيدى الوساوس فافتداؤه أن ترشده إلى اليقين بلوائح البراهين لتنقذه من الشك والتخمين ، وتخرجه عن ظلمات التقليد فيما تقوده إلى اليقين. ومن أسير تجده فى أسر هواجسه استأسرته غاغة نفسه ، ففكّ أسره بأن تدلّه على شهود المنن ، بتبرّيه عن حسبان كلّ حول يخلق وغير. ومن أسير تجده فى ربيطة ذاته ففكّ أسره إنشاده (١) إلى إقلاعه ، وإنجاده على ارتداعه. ومن أسير تجده فى أسر صفاته ففكّ أسره أن تدله على الحق بما يحل عليه من وثائق الكون (٢) ، ومن أسير تجده فى قبضة الحق فتخبره أنه ليس لأسرائهم فداء ، ولا لقتلاهم عود ، ولا لربيطهم خلاص ، ولا عنهم بدّ ، ولا إليهم سبيل ، ولا من دونهم حيلة ، ولا مع سواهم راحة ، ولا لحكمهم ردّ.
قوله جل ذكره : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)
إن الذين آثروا عليه شيئا خسروا فى الدنيا والآخرة كما قالوا :
__________________
(١) إنشاده إلى إقلاعه أي مطالبته والنصح له.
(٢) وردت (المكون) والأصوب الكون لأن المقصود يقتضى ذلك.