زكريا حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي في (مشرقه) لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها حجابا تتستر به للغسل ، إذا أرسل الله جبرئيل عليهالسلام (١) ، فدخل عليها ، فتمثل لها في حواسها أنّه شاب سويّ الخلق ، فكان دخول هذا البشر السوي عليها في خلوتها مفاجأة لامرأة عذراء منقطعة إلى الله تعالى هزّتها من الأعماق ، فقالت : (... إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا)(٢) حيث تستنجد بالله ، وتحاول أن تثير في هذا الغريب مشاعر التقوى الذي تمنعه من ارتكاب المعصية والانسياق مع الشهوات.
فكان جوابه (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)(٣) يبشرك الله بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وسوف يكون وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، فتسأله مستنكرة مريم في صراحة المرأة التي تريد أن تدافع عن نفسها وهي في حالة العجب والاستغراب من فكرة هذا الرسول الإلهي ؛ ذلك لأنّ الغلام في نظرها لا يولد إلّا من مس البشر المشروع ، وهو الزواج ، أو البغيّ غير المشروع (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٤) وهنا
__________________
(١) يذكر العلّامة الطباطبائي قرائن من الآيات القرآنية على أنّ المقصود من الروح هنا هو : جبرئيل ، وإنّه ظهر فى حواس مريم عليهاالسلام في صورة البشر ؛ إذ إنّ القرآن يعبّر عن جبرئيل بالروح المرسل من الله تعالى. راجع الميزان ١٤ : ٣٥ ، ونسبة الحديث إلى الملائكة في سورة آل عمران من باب نسبة قول الواحد إلى الجماعة ، وهو اسلوب شائع ومتبع في القرآن.
(٢) مريم : ١٨.
(٣) مريم : ١٩.
(٤) مريم : ٢٠.