أفكارهم ومشاعرهم الكثير من الرواسب الوثنية ذات المدلول المنحرف ، هذه الرواسب التي كانوا قد تأثروا فيها بالمجتمع الفرعوني الذي كانوا يعيشون فيه.
وهي حين تطفو على السطح لا يعني أنّهم كانوا قد تنازلوا عن شعاراتهم السابقة ومدلولاتها أو تخلّوا عن عقيدة التوحيد ... وإنّما يعني ذلك : أنّهم كانوا يفهمون مدلول الشعارات بصورة سطحية وساذجة من حيث ينسجم مع هذا العمل المنحرف ، فالعجل في نظرهم هو تجسيد للإله الذي دعا إليه موسى ، والأصنام ـ أن يتخذها لهم موسى للعبادة ـ هي الوسائط المادية للتعبير عن العبادة للإله الذي دعا إليه موسى ... وهكذا.
ولعلّ القرآن الكريم يهدف في هذه الإشارة إلى ناحيتين :
الاولى : مناقشة أفكار الجاهليين المعاصرين لنزول القرآن حين كانوا يقولون في أصنامهم ويبرّرون عبادتهم لها : إنّهم اتخذوها واسطة وزلفى إلى الله.
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ...)(١).
الثانية : أنّ الإنسان حين يؤمن بالله وبالرسول ويحظى بصحبته ويستمع إليه لا يعني أنّه قد تجرد دفعة واحدة عن جميع محتوياته الداخلية ، وقضى على كلّ الرواسب التي لا تلتقي في واقعها مع أصالة الرسالة والدعوة التي يدعو إليها الرسول ، وإنّما غاية ما يدل عليه ذلك هو الإيمان بالمدلول الحرفي للشعار والفكرة ، الأمر الذي قد يؤدي إلى التحريف والخطأ في التطبيق. والوصول إلى الدرجة العالية من الإيمان يحتاج إلى ممارسة واقعية وعملية فى الالتزام والطاعة ، وإلى فهم وتدبّر في المفاهيم والافكار ، وهذا ممّا أشار إليه القرآن في بعض الموارد حين ميز بين ادعاء
__________________
(١) الزمر : ٣.