ولذلك نجد في هذه المرحلة بوادر الخلاف تبدو في الشعب الإسرائيلي ، وتطفو على السطح اتجاهات شتى : فكرية ، ومصلحية ، ونفسية و... حتى إنّها تتحول ـ أحيانا ـ إلى المروق عن الدين ، أو إلى التمرد على الجماعة والنظام.
ففي جانب الفكر والعقيدة ـ مثلا ـ نجد تأثيرات المجتمع الوثني على الإسرائيليين تظهر بشكل واضح ؛ لأنّهم يطلبون من موسى ـ عند ما مرّوا على جماعة يعبدون الأوثان ـ أن يتخذ لهم أصناما وآلهة كما لهؤلاء القوم آلهة ، مع أنّ الإسرائيليين بالأصل هم ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب الذين حملوا رسالة التوحيد ورفضوا الوثنية والأصنام ، كما تبرز هذه الرواسب والمخلّفات مرة اخرى عند ما اتخذوا العجل إلها ؛ لمجرد أنّهم رأوا فيه ظاهرة غير طبيعية ، وفي موقفهم في الميقات عند الاستغفار أيضا حينما طلبوا أن يروا الله جهرة.
وفي جانب المصالح نجد موقف قارون وجماعته ، وإيذاءهم موسى وتمردهم على أوامره ، وغير ذلك من الإشارات القرآنية التي تشير إلى عوامل النفاق والمعارضة.
وفي جانب الواقع الروحي والنفسي تشير قصّة الدخول إلى الأرض المقدسة وغيرها من الإشارات القرآنية إلى رواسب الضعف والاستخذاء والخوف.
فالميزة الرئيسة لهذه المرحلة هي ظهور هذه الخلافات المتعدّدة ، ومعاناة النبي موسى منها على اختلاف اتجاهاتها ودوافعها ، وهذه الظواهر هي من مستلزمات المجتمع الذي تتحكم فيه عقيدة جديدة ونظام جديد.
ونجد موسى في كلّ هذه الخلافات مثال القائد الحكيم ، والنبيّ العطوف الذي يأخذ قومه بالشدّة في مروقهم عن الدين ، كما في قضية العجل ، وباللين في جوانب اخرى فيدعو الله ـ سبحانه ـ لهم بالرحمة والمغفرة ، كما في قضية الميقات.