جهات متعدّدة يمكن أن نلحظ منها : التفاف بني إسرائيل حوله ، وهم يمثلون امة كبيرة من الناس وإن كانت مضطهدة ، ومركزه الاجتماعي السابق في البيت الفرعوني المتميز ، واستجابة بعض الفرعونيين لدعوته وخصوصا زوجة فرعون ؛ ولعلّ موقف مؤمن آل فرعون من الائتمار بموسى لقتله يشير إلى العنصر الأخير من الحماية ؛ وكذلك قبول فرعون بالدخول معه في مناقشة ومباراة تمثل العنصر الثاني ، إضافة إلى قضية الآيات والمعاجز وإيمان السحرة به.
وتمثل المرحلة الثالثة : جانب استقلال الجماعة والحكم وما يستتبعه من مضاعفات وخلافات ؛ ذلك لأنّ الدعوة في مرحلتها الاولى تعمل من أجل تحقيق أهداف عامة وترفع شعارات معينة ، وفي هذه الأهداف والشعارات قد تلتقي آمال الشعب كلّه وتتجمع تدريجا ، وأمّا حين يأتي دور تحديد هذه الأهداف في صيغ معينة وطريقة خاصة ، وتطبيق هذه الشعارات في نهج واسلوب خاص ، وتجسيدها عمليا ، فقد نجد بعض الأعضاء في المجموعة لا يلتقي مع هذا التحديد والتطبيق في مصالحه الخاصة ، أو أفكاره وعقليته الاجتماعية ، بل قد تتعارض المصالح الخاصة ، أو المنافع التي يحصل عليها الإنسان في مسيرة عمله ، أو المواقع التي ينتهي إليها مع هذه الأهداف والشعارات ؛ إذ إنّ الأهداف والشعارات الإلهيّة الرسالية تنطلق من المبادئ ومتبنيات الفطرة الإنسانية التي أودعها الله ـ تعالى ـ في الإنسان ، وهي في البداية لا تبدو أنّها متناقضة مع رغبات الإنسان وميوله ، بل هي محبوبة وحسنة في نظر الإنسان خصوصا المظلومين من الناس. وأمّا في دور التطبيق والتجسيد حيث تتحول هذه المبادئ إلى واقع خارجي ، وحدود وقيود لهذه الحركة ، أو ذلك الموقف ، أو لتلك المصلحة ، فعندئذ تتناقض مع الهوى والشهوات والطموحات الذاتية للإنسان.