وحين اجتمع موسى بالسحرة خيّروه بين أن يلقي قبلهم ، أو يكونوا هم الملقين قبله ، فاختار أن يكونوا هم الملقين ، فألقى السحرة (حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) وإذا بها تبدو لأعين الناس ـ من سحرهم ـ كأنّها تسعى كالحيات ، وعندئذ أوجس موسى في نفسه خيفة إذ لم يكن ينتظر أن يواجه بالاسلوب الذي اتبعه في معجزته مع فرعون ، فيكون ذلك سببا لاضلال النّاس ، وعدم وضوح حجته أمامهم ، فأوحى الله ـ سبحانه ـ له أن لا تخف ، فإنك أنت الذي سوف تنتصر عليهم ، وإنّما عليك أن تلقي عصاك ـ وحينئذ ـ تتحول إلى حية حقيقية تلقف جميع ما صنعوا ؛ لأنّ ما صنعوه ليس إلّا (... كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى)(١).
وعند ما رأى السحرة هذا الصنع من موسى انكشفت لهم الحقيقة التي ارسل بها ، وأنّ هذا العمل ليس عمل ساحر ، وإنّما هو معجزة إلهية ، فآمنوا (... قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(٢).
وأمام هذا الموقف الرائع من السحرة في هذا المشهد العظيم من الناس وجد فرعون نفسه في وضع مخز ومحرج ، الأمر الذي اضطره لأن يلجأ إلى أساليب الطغاة عند انقطاع حجتهم ، وهو الانذار والوعيد والتهديد باستخدام أساليب القمع والارهاب ، فقال للسحرة : (... آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى)(٣) ، ولم يكن موقف السحرة ـ بعد أن انكشفت لهم
__________________
(١) طه : ٦٩.
(٢) طه : ٧٠.
(٣) طه : ٧١.