على أنّ هذه الجنة يمكن أن تكون جنة أرضية وليست جنة (الخلد) ؛ إذ لا يوجد دليل على أنّها جنة الخلد ، وكان هبوطه وإخراجه منها يعني بداية دور تحمّل المسئولية والتعب والجهد من أجل الحياة واستمرارها ، فهو منذ البداية كان على الأرض ، ولكن في مكان منها لا تعب ولا عناء فيه ، وقد تهيأت له جميع أسباب العيش والراحة والاستقرار ، وبعد المعصية بدأت حياة جديدة تختلف عن الحياة السابقة في خصوصياتها ومواصفاتها وإن كانت على الأرض أيضا.
وبذلك يمكن أن نجيب عن سؤال آخر ، هو : أنّه كيف تسنى لإبليس أن يغوي آدم في الجنة مع أنّ دخولها محرّم على إبليس؟
إذ يمكن أن تكون هذه الجنة أرضية ولم يمنع من دخولها ، ولعلّ ضمير الجمع في قوله تعالى : (... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ...)(١) يشير إلى ذلك.
على أنّ عملية الإغواء يمكن أن تكون من خلال وجوده في خارج الجنة ؛ لأنّ الخطاب بين أهل الجنة وغيرهم ممّن هو في خارج الجنة ميسور ، كما دل على ذلك القرآن الكريم في خطاب أهل الجنة وأهل النار : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ)(٢).
وفي خطاب أصحاب الجنة لأصحاب النار :
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ
__________________
(١) البقرة : ٣٦.
(٢) الأعراف : ٥٠.