وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها
____________________________________
فيؤمنوا خوفا وجبرا ، والمعنى أنهم بامتناعهم عن الإيمان ـ بعد مجيء الهدى ـ بمنزلة من يطلب الهلاك ، أو يطلب أن يرى العذاب ، فيؤمن خوفا من حلوله به ، إن لم يؤمن ، وهذا كقولك لابنك : إنك لا تقبل قولي ، إلا أن تضرب ، أو ترى العصا مرفوعة لضربك.
[٥٧] وهل الإتيان بالعذاب لإهلاكهم ، أو لجبرهم على الإيمان ، من شأن المرسلين؟ كلا إن شأنهم هو البلاغ ، أما العذاب ، فإنه بيد الله ، لا يرسله إلا لمصلحة وحكمة (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) لمن آمن وأطاع بالثواب (وَمُنْذِرِينَ) لمن كفر أو عصى بالعقاب (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) فيناظرون مع الرسول والمؤمنين ، بما هو باطل ، وغير حقيقة (لِيُدْحِضُوا) أي ليزيلوا (بِهِ الْحَقَ) ويبطلوه انتصارا لدينهم ، وطريقتهم المنحرفة (وَاتَّخَذُوا) أي الكفار (آياتِي) يعني القرآن (وَما أُنْذِرُوا) به البعث والنار (هُزُواً) أي مهزوّا به ، فإنهم يسخرون من هذه الآيات والإنذارات ، وسيصلون إلى جزاء أعمالهم.
[٥٨] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) أي ليس أحد أكثر ظلما من مثل هذا الشخص ، الذي يذكّر بآيات الله ، بأن يذكره النبي بالأدلة على وجود الله وعلمه وقدرته (فَأَعْرَضَ عَنْها) ولم ينتفع بها ، و «من أظلم» إضافي لا حقيقي ، ككثير من أمثاله المستعملة في القرآن الحكيم ، فإن البلاغة تقتضي ملاحظة الظروف المحيطة والملابسات ، في النفي