فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥)
____________________________________
الناس ، مدائحه على الأخيار وتنقيصاته على الأشرار.
[٦] (فَإِذا جاءَ) وقت (وَعْدُ) نا بالانتقام عن (أُولاهُما) والمراد بالوعد الموعود ، والمراد بأولاهما أولى المرتين اللتين تفسدون فيهما (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) أيها اليهود (عِباداً لَنا) أي سلطنا عليكم بعض الملوك (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي أصحاب شوكة وقوة ونجدة ، ومعنى بعثه سبحانه أنه يخلي بينهم وبين اليهود حتى يفعلوا بهم ما يشاءون ، وهكذا كقوله سبحانه : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ) (١) فإن الملك إذا قوى طائفة وخلّى بينهم وبين سائر الناس حتى يفسدوا فيهم ، يقال أن الملك أرسلهم ، (فَجاسُوا) أي العباد المنتقمون (خِلالَ الدِّيارِ) أي طافوا وسط ديار اليهود ، وتفحصوا وتحسبوا هل بقي منهم أحد حتى يقتلوه ويأسروه (وَكانَ) ما وعدناهم من إرسال العباد للانتقام منهم (وَعْداً) منا (مَفْعُولاً) كائنا لا محالة لا خلف فيه ، قد كان ذلك كما ذكره التاريخ ، ومن لطيف المقارنة أن يرى الإنسان أن الله الرؤوف الرحيم بعباده حتى أن من لطفه يبعث الرسول على الكفار ليهديهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (٢) يرسل على أهل الكتاب عبادا ليبطشوا بهم ويكثروا فيهم القتل والهتك والسبي ، حيث يخالفون الأوامر ، ويفسدون ويعملون بالمعاصي.
__________________
(١) مريم : ٨٤.
(٢) آل عمران : ١٦٥.