آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ
____________________________________
بلدا ، وإنما علم إبراهيم بأنه سيصبح بلدا (آمِناً) أي محل أمن ، لا يسودها الفوضى والاضطراب ، كما قال سبحانه ، وقد استجاب دعاء إبراهيم عليهالسلام : (جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (١) فقد كانت مكة آمنة ، بينما كانت حواليها مضطربة بالسلب والنهب والقتل والسفك.
(وَاجْنُبْنِي) أي بعّدني ، من جنّبه بمعنى بعّده (وَبَنِيَ) أي بعّد بنيّ ـ أولادي ـ (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) معنى هذا الدعاء ألطف علينا بلطفك حتى لا نعبدها ، لا ابتداء ، ولا استمرارا ، فلا يقال أن إبراهيم لم يكن يعبد الأصنام ، فما معنى هذا الدعاء؟ والظاهر أن مراد إبراهيم عليهالسلام من «بني» أولاده من صلبه ، أو الأنبياء والأوصياء منهم ومن في سلسلتهم ، فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي عليّ ، لم يسجد أحد منا لصنم قط فاتخذني الله نبيا وعليا وصيا (٢).
أقول : وقد وردت روايات وأطبقت عليه الشيعة على أن في سلسلة النبي والإمام لا يكون كافر إطلاقا ، وعلى ما تقدم فلم يكن دعاء إبراهيم عليهالسلام عامّا لجميع ذريته ، وإلا فقد كان من نسله من عبد الأصنام ، كبني إسرائيل الذين عبدوا العجل ، وغيرهم كأبي لهب.
[٣٧] يا (رَبِّ إِنَّهُنَ) يعني الأصنام وإنما أتى بضمير العاقل تماشيا مع المعتقد السائد عند المشركين من زعمهم أن الأصنام لها عقول
__________________
(١) العنكبوت : ٦٨.
(٢) أمالي الطوسي : ص ٣٧٨ مجلس ١٣.