وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ
____________________________________
وأزواج وصحة وأمن وغيرها ، من الأسئلة التي لا تحصى كثرة يسألها الإنسان من الله تعالى فيعطيها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) التي أنعم بها عليكم ، من كل صغيرة وكبيرة (لا تُحْصُوها) أي لا تقدرون على إحصائها ، كيف والإنسان لا يتمكن من عدّ ما في بدنه فقط ـ من النعم ـ فقد ذكروا أن في بدن الإنسان اثنتي عشرة ألف قوة تشتغل ليل نهار ، أما علماء الغرب فقد ذكروا أن كل قطرة من الإنسان فإنها تحمل اثني عشر مليون من الحيوانات المجهرية الصغيرة ، ومن المعلوم أن كل واحدة منها نعمة ، وبهذا الشبه قالوا في كل ذرة من ذرأت الجسم ، والنعمة اسم أقيم مقام المصدر ، ولذا لا يجمع ، ثم أليست كل هذه النعم من الله سبحانه؟ فلما ذا يتخذ الإنسان إلها دون الله (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) صيغة مبالغة أي كثير الظلم لنفسه ولغيره (كَفَّارٌ) أي كثير الكفر لنعم الله تعالى ، فإن الكفر بمعنى الستر وعدم الشكر للنعم.
[٣٦] وإذ سبق وجوب شكر النعمة وذم كفرانها ، وظهر مصير المؤمن والكافر ، فلننظر إلى نموذج من الإنسان المؤمن ، كيف آمن وشكر ، وكيف كان كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، في مثال قريب إلى أذهان البشرية جمعاء ، وإلى أذهان أهل مكة بصورة خاصة ، وقد جرى دأب البلغاء أن يعقبوا الحكم الكلي والقاعدة العامة بمثال واضح ليتركز الحكم في الذهن ، ويتشوق الذهن إلى الانطباع بمثله ، والاقتداء به ، (وَ) اذكر يا رسول الله (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) في دعائه مع الله سبحانه (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) أي مكة ، وذلك اليوم لم يكن