الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا
____________________________________
الْغارِ) «الغار» هو الثقب في الجبل (إِذْ يَقُولُ) الرسول (لِصاحِبِهِ) أبي بكر : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) مطّلع علينا ، فالإنسان الفار اللاجئ إلى ثقب جبل لا أحد معه إلا شخص واحد يخشى ويخاف ويحزن فيزيده كآبة ، كيف نصره الله على أعدائه ، إن الله قادر على أن ينصره الآن كما نصره سابقا.
وقد استدل بعض على فضيلة أبي بكر بهذه الآية ، لكن لا يخفى ما فيه ، فإنها لم تدل إلا على كونه أحد الشخصين ، وأنه صاحب ، وأنه حزن ، وأن الله معهما ، ولا دلالة في شيء من ذلك ، فإن الاثنين عدد «وثاني اثنين» حكاية العدد ، وليس فيما يقتضي الفضل يعد ، والصاحب يطلق على كل مصاحب (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) (١) ، والحزن لم يكن صحيحا وإلا لم ينهه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢) ، والله سبحانه مع كل بر وفاجر (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (٣) ، بل ربما قيل : إن الآية دلت على خلاف الفضيلة إذ قال سبحانه : «عليه» و «أيده» بينما قال في مكان آخر (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٤).
إن هذا البحث له موضع غير هذا الموضع ، وإنما المقصود الإشارة إلى عدم حسن أن يقحم في القرآن الحكيم ما ليس منه ثم جرّ الآيات إلى الأنظار والأفكار جرّا بدون دلالة أو برهان. فقد ورد الذم لمن فسّر القرآن برأيه.
__________________
(١) الكهف : ٣٥.
(٢) يونس : ٦٣.
(٣) المجادلة : ٨.
(٤) التوبة : ٢٦.