فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى
____________________________________
منحاز نحوه ، منضم إليه. فالمعنى : أنه ولّى دبره لينضم إلى جماعة يستعين بهم في القتال ، فإن الإنسان وحده يجترئ عليه العدو أكثر مما إذا كان مع جماعة (فَقَدْ باءَ) خبر «ومن يولهم» أي أن المولي دبره يرجع (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) فكأنه كان ذاهبا إلى الحرب برضى الله ، والآن بفراره رجع يحمل الغضب (وَمَأْواهُ) أي مصيره (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وبهذا يستدل على أن الفرار من الزحف كبيرة موبقة.
[١٨] ثم ذكر سبحانه أن السبب الحقيقي في انهزام الكفار إنما كان هو الله سبحانه (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أي لم تقتلوا الكفار أنتم أيها المسلمون. و «النفي عنهم» باعتبار كونهم السبب الأضعف ، فلو لا تشجيع الله سبحانه بإنزال الملائكة وإنزال المطر وتقوية قلوبهم ومساعدة الملائكة لهم في القتل والأسر لم يتمكنوا من الغلبة عليهم ، ومن المتعارف أن ينسب الفعل إلى أقوى السببين (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بتهيئة الأسباب وإلقاء الرعب في قلوب الكفار حيث انهارت أعصابهم (وَما رَمَيْتَ) يا رسول الله ، أو أيها المسلم (إِذْ رَمَيْتَ) والمراد بالأول : الرمي المصيب ، فإن الفعل ينفى عمن لم تكن نتيجة الفعل بقدرته ، كما يقال لمن ألقى حجرا بدون معرفة فاصطاد طائرا : «فما صدت أنت وإنما صادته الصدفة». ولعل المراد ب «الرمي» ، رمي القوم بالهلاك ، كما يقال : «رماه الله بهلاك ونكال». (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فإنه كان السبب الأقوى في هلاكهم ونكالهم.