لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
____________________________________
بيّن ذلك سبحانه بقوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) كعبد الله بن سلام وأصحابه الذين رسخوا في العلم وثبتوا فيه وعرفوا العلم حق المعرفة (وَالْمُؤْمِنُونَ) يعني أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمحتمل أن المراد بهم : المؤمنون بموسى حقيقة ، مقابل سائر اليهود الذين كان إيمانهم مزيفا كاذبا (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يا رسول الله من القرآن الحكيم (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من كتب موسى وعيسى عليهماالسلام بخلاف اليهود الذين لم يؤمنوا إطلاقا ، وكان إيمانهم بالتوراة كذبا ، كما قال سبحانه : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (١).
وهنا قد يتساءل البعض : أن اليهود إن كان في طبيعتهم الانحراف كما هو المشهور بين الناس والظاهر من قوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (٢) وقوله : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) (٣) ومن أعمالهم مع أنبيائهم وبالأخص موسى عليهالسلام ، فكيف يمكن لهم التخلّي عن هذه الطبيعة؟ وكيف يقبلون بالإسلام إذا أسلموا؟ وكيف يمكن التفريق بين من كفر منهم وبين من قال سبحانه عنه «لكن الراسخون ..»؟
والجواب : أن اليهود لهم جهتا انحراف : الأولى طبيعتهم المتحجرة ، والثانية دينهم الباطل الذي يأمرهم بكل منكر ، وتقاليدهم
__________________
(١) الجمعة : ٦.
(٢) البقرة : ٧٥.
(٣) المائدة : ٨٣.