(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٨)
٣٧ ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أي استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها. وبنصب آدم ورفع كلمات مكي على أنّها استقبلته بأن بلغته واتصلت به ، وهن قوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) وفيه موعظة لذريتهما حيث عرفوا كيفية السبيل إلى التنصل من الذنوب. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ أحبّ الكلام إلى الله تعالى ما قاله أبونا آدم حين اقترف الخطيئة : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت (٢). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يا ربّ ألم تخلقني بيدك. قال : بلى. قال : يا ربّ ألم تنفخ فيّ من روحك ، ألم تسبق رحمتك غضبك ، ألم تسكني جنتك. وهو تعالى يقول : بلى بلى. قال : فلم أخرجتني من الجنة. قال : بشؤم معصيتك. قال : فلو تبت أراجعي أنت إليها. قال : نعم (٣) (فَتابَ عَلَيْهِ) فرجع عليه بالرحمة والقبول ، واكتفى بذكر توبة آدم لأنّ حواء كانت تبعا له ، وقد طوي ذكر النساء في أكثر القرآن والسّنّة لذلك ، (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) الكثير القبول للتوبة (الرَّحِيمُ) على عباده.
٣٨ ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) حال أي مجتمعين. وكرر الأمر بالهبوط للتأكيد ، أو لأنّ الهبوط الأوّل من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الأرض ، أو لما نيط به من زيادة قوله ، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) أي رسول أبعثه إليكم ، أو كتاب أنزله عليكم بدليل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في مقابلة قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) أي بالقبول والإيمان به (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في المستقبل (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما خلّفوا ، والشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول ، كقولك إن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك. فلا خوف (٤) في كلّ القرآن يعقوب (٥).
__________________
(١) الأعراف ، ٧ / ٢٣.
(٢) موقوف أخرجه ابن أبي شيبة في أوائل الصلاة من رواية إبراهيم التيمي عن الحرث بن سويد قال : قال ابن مسعود ... فذكره ، ولم يقل : ما قال أبونا آدم حين اقترف الخطيئة.
(٣) موقوف أخرجه الحاكم في ترجمة آدم من تواريخ الأنبياء من رواية المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عنه.
(٤) زاد في (ز) بالفتح.
(٥) يعقوب : هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري ، أبو محمد ، أحد القراء العشرة ولد عام ١١٧ ه وتوفي بالبصرة عام ٢٠٥ ه (غاية النهاية ٢ / ٣٨٦).