النكرة مقدمة عليه ، أو انتصبا مفعولين على أنّ ضرب بمعنى جعل ، واشتقاقها من البعض وهو القطع كالبضع والعضب ، يقال بعّضه البعوض ومنه بعض الشيء ، لأنّه قطعة منه ، والبعوض في أصله صفة على فعول كالقطوع فغلبت (فَما فَوْقَها) فما تجاوزها ، وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلّة والحقارة ، أو فما زاد عليها في الحجم كأنّه أراد بذلك ردّ ما استنكروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنّهما أكبر من البعوضة ، ولا يقال كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصّغر لأنّ جناح البعوضة أقلّ منها وأصغر بدرجات ، وقد ضربه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثلا للدنيا (١) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) الضمير للمثل ، أو لأن يضرب ، والحقّ الثابت الذي لا يسوّغ إنكاره ، يقال حقّ الأمر إذا ثبت ووجب (مِنْ رَبِّهِمْ) في موضع النصب على الحال ، والعامل معنى الحق ، وذو الحال الضمير المستتر فيه (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) ويوقف عليه ، إذ لو وصل لصار ما بعده صفة له ، وليس كذلك ، وفي قولهم ماذا أراد الله بهذا مثلا استحقار ، كما قالت عائشة (٢) رضي الله عنها في عبد الله بن عمرو (٣) : يا عجبا لابن عمرو هذا ، محقرة له (٤). ومثلا نصب على التمييز أو على الحال ، كقوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) (٥) وأمّا حرف فيه معنى الشرط ولذا يجاب بالفاء ، وفائدته في الكلام أن يعطيه فضل توكيد ، تقول زيد ذاهب فإذا قصدت توكيده وأنّه لا محالة ذاهب قلت : أمّا زيد فذاهب ، ولذا قال سيبويه في تفسيره مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير يفيد كونه توكيدا (٦) وأنّه في معنى الشرط ، وفي إيراد الجملتين مصدّرتين به وإن لم يقل فالذين آمنوا يعلمون والذين كفروا يقولون ، إحماد عظيم لأمر المؤمنين ، واعتداد بليغ بعلمهم أنّه الحق ، ونعي على الكافرين إغفالهم حظهم ورميهم بالكلمة الحمقاء وماذا فيه وجهان : أن يكون ذا اسما موصولا بمعنى
__________________
(١) كأنه يشير إلى حديث سهل بن سعد ، مرفوعا : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) أخرجه الترمذي.
(٢) عائشة : أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وزوج النبي صلىاللهعليهوسلم أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب ولدت عام ٩ ق. ه وتوفيت عام ٥٨ ه (الأعلام ٣ / ٢٤٠).
(٣) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، صحابي أسلم قبل أبيه ، وكان كثير العبادة ، امتنع عن بيعة يزيد ، ولد عام ٧ ق. ه ومات عام ٦٥ ه (الأعلام ٤ / ١١١).
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الحيض من رواية عبيد بن عمير.
(٥) الأعراف ، ٧ / ٧٣. هود ، ١١ / ٦٤.
(٦) في (ز) تأكيدا.