الفرّاء (١) لا أبدلت ألفها نونا ، وعند سيبويه حرف موضوع لتأكيد نفي المستقبل ، وإنّما علم أنّه إخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة ، لأنّهم لو عارضوه بشيء لاشتهر فكيف والطاعنون فيه (٢) أكثر (٣) من الذّابّين عنه. وشرط في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله ، لأنّهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صحّ عندهم صدق الرسول ، وإذا صحّ عندهم صدقه ، ثم لزموا العناد وأبوا الانقياد استوجبوا النار ، فقيل لهم إن استبنتم العجز فاتركوا العناد ، فوضع فاتقوا النار موضعه ، لأنّ اتقاء النار سبب ترك العناد ، وهو من باب الكناية ، وهي من شعب البلاغة ، وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية (٤) القرآن. والوقود ما ترفع به النار يعني الحطب ، وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح. وصلة الذي والتي تجب أن تكون معلوما للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب ، أو من رسول الله ، أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى : (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (٥) وإنّما جاءت النار منكّرة ثمّ ومعرفة هنا لأنّ (٦) تلك الآية نزلت بمكة ، ثم نزلت هذه (٧) بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا. ومعنى قوله تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ، أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنّها تتّقد بالنّاس والحجارة وهي حجارة (٨) الكبريت ، فهي أشدّ توقدا ، وأبطأ خمودا ، وأنتن رائحة ، وألصق بالبدن ، أو الأصنام المعبودة ، فهي أشدّ تحسرا (٩) ، وإنّما قرن النّاس بالحجارة لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا حيث (١٠) عبدوها وجعلوها لله أندادا ونحوه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١١) أي حطبها فقرنهم بها محمّاة في (١٢) نار جهنم إبلاغا في إيلامهم (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) هيئت لهم ، وفيه دليل على أنّ النار مخلوقة خلافا لما يقوله جهم. سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطا لاكتساب ما يزلف ، وتثبيطا عن اقتراف ما يتلف ، فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب قفّاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله :
__________________
(١) الفرّاء : يحيى بن زياد الديلمي ، أبو زكريا ، إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو وفنون الأدب ، ولد عام ١٤٤ ه ومات عام ٢٠٧ ه (الأعلام ٨ / ١٤٦).
(٢) زاد في (ظ) أي القرآن.
(٣) في (ز) أكثر عددا.
(٤) في (ظ) من جبلة.
(٥) التحريم ، ٦٦ / ٦.
(٦) سقطت من (ظ).
(٧) زاد في (ظ) و(ز) الآية.
(٨) سقط من (ظ) من إنها نار ... إلى وهي حجارة.
(٩) في (ز) تحسيرا.
(١٠) في (ظ) حين.
(١١) الأنبياء ، ٢١ / ٩٨.
(١٢) في (ظ) من.