(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣)
المنافقين في الأرض أنّهم كانوا يمايلون الكفّار ويمالئونهم (١) على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم وإغرائهم عليهم ، وذلك مما يؤدي إلى هيج الفتن بينهم (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) بين المؤمنين والكافرين بالمداراة ، يعني أنّ صفة المصلحين خلصت لنا وتمحّضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد ، لأنّ إنما لقصر الحكم على شيء ، أو لقصر الشيء على حكم ، كقولك إنّما ينطلق زيد وإنّما زيد كاتب ، وما كافة لأنّها تكفها عن العمل.
١٢ ـ (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أنهم مفسدون ، فحذف المفعول للعلم به ، ألا مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقّق ما بعدها ، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحققا ، كقوله تعالى (٢) : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ) (٣) ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم ، وقد رد الله تعالى (٤) ما ادّعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ رد وأدلّه على سخط عظيم ، والمبالغة فيه من جهة الاستئناف ، وما في ألا إنّ (٥) من التأكيد ، وتعريف الخبر ، وتوسيط الفصل ، وقوله لا يشعرون.
١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) نصحوهم من وجهين أحدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده عن الصواب وجره إلى الفساد ، وثانيهما تبصيرهم الطريق الأسدّ من اتباع ذوي الأحلام (٦) ، فكان من جوابهم أن سفّهوهم لتمادي جهلهم ، وفيه تسلية للعالم ممّا يلقى من الجهلة ، وإنّما صحّ إسناد قيل إلى لا تفسدوا وآمنوا مع أنّ إسناد الفعل إلى الفعل لا يصح لأنّه إسناد إلى لفظ الفعل ، والممتنع إسناد الفعل إلى معنى الفعل ، فكأنّه قيل وإذا قيل لهم هذا القول ومنهم (٧) زعموا مطية الكذب (٨). وما في كما ، كافة كما في ربما ، أو مصدرية كما في (بِما رَحُبَتْ) (٩) ، واللام في النّاس للعهد أي كما آمن الرسول صلىاللهعليهوسلم (١٠) ومن معه
__________________
(١) في (ظ) يمالؤن ويمايلونهم.
(٢) ليست في (أ).
(٣) القيامة ، ٧٥ / ٤٠.
(٤) ليست في (ظ) و(ز).
(٥) في (ظ) و(ز) ألا وإن.
(٦) في (ظ) الأحكام.
(٧) في (ظ) و(ز) ومنه.
(٨) في الحديث : (بئس مطية الرجل زعموا) رواه أبو داود.
(٩) التوبة ، ٩ / ١١٨.
(١٠) ليست في (ظ) و(ز).