(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٩)
٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ) أي رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) فحذف المضاف كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) كذا قاله أبو علي (٣) رحمهالله وغيره ، أي يظهرون غير ما في أنفسهم ، فالخداع إظهار غير ما في النّفس ، وقد رفع الله منزلة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حيث جعل خداعه خداعه ، وهو كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٤) وقيل معناه يخادعون الله في زعمهم ، لأنّهم يظنون أنّ الله تعالى (٥) ممن يصح خداعه ، وهذا المثال يقع كثيرا لغير اثنين نحو قولك عاقبت اللص ، وقد قرئ يخدعون الله ، وهو بيان ليقول ، أو مستأنف ، كأنّه قيل ولم يدّعون الإيمان كاذبين وما منفعتهم في ذلك ، فقيل يخادعون الله ومنفعتهم في ذلك متاركتهم عن المحاربة التي كانت مع من سواهم من الكفّار ، وإجراء أحكام المؤمنين عليهم ، ونيلهم من الغنائم وغير ذلك ، قال صاحب الوقوف (٦) : الوقف لازم على بمؤمنين ، لأنّه لو وصل لصار التقدير وما هم بمؤمنين مخادعين ، فينتفي الوصل ، كقولك ما هو برجل كاذب ، والمراد نفي الإيمان عنهم وإثبات الخداع لهم. ومن جعل يخادعون حالا من الضمير في يقول ، والعامل فيها يقول ، والتقدير يقول آمنا بالله مخادعين ، أو حالا من الضمير في بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ، والتقدير وما هم بمؤمنين في حال خداعهم لا يقف ، والأول الوجه (٧) : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي يخادعون رسول الله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإضمار الكفر (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي وما يعاملون تلك المعاملة المشبّهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم ، لأنّ ضررها يلحقهم ، وحاصل خداعهم وهو العذاب في الآخرة يرجع إليهم ، فكأنّهم خدعوا أنفسهم ، وما يخادعون أبو عمرو (٨) ونافع ومكي للمطابقة ، وعذر الأولين أنّ خدع وخادع هنا بمعنى واحد ، والنفس ذات
__________________
(١) ليست في (ظ) و(ز).
(٢) يوسف ، ١٢ / ٨٢.
(٣) أبو علي : هو إسماعيل بن شعيب ويكنى أبا علي النهاوندي ، مقرئ مشهور ، فقيه توفي سنة ٣٥٠ ه (غاية النهاية ١ / ١٦٤).
(٤) الفتح ، ٤٨ / ١٠.
(٥) ليست في (ظ) و(ز).
(٦) صاحب الوقوف : هو هلال بن يحيى أخذ العلم عن أبي يوسف وزفر ، وله كتاب الشروط ، وكتاب أحكام الوقوف ، توفي عام ٢٤٥ ه (الأعلام ٨ / ٩٢).
(٧) في (ز) والوجه الأول.
(٨) أبو عمرو : هو عثمان بن سعيد بن عثمان ، أبو عمرو الداني من الأئمة في علوم القرآن ورواياته وتفسيره ولد عام ٣٧١ ه ومات عام ٤٤٤ ه وله مؤلفات (الأعلام ٤ / ٢٠٦).