(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١)
تخليدهم في جهنم سهلا عليه ، والتقدير يعاقبهم خالدين ، فهو حال مقدرة ، والآيتان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ويموتون على الكفر.
١٧٠ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بالإسلام ، أو هو حال أي محقا (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) وكذلك انتهوا خيرا لكم انتصابه بمضمر ، وذلك أنّه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال خيرا لكم ، أي اقصدوا وأتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان به والتوحيد (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يضرّه كفركم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بمن يؤمن وبمن يكفر (حَكِيماً) لا يسوّي بينهما في الجزاء.
١٧١ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) لا تجاوزوا الحد ، فغلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حتى قالوا إنه ابن الزنا ، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه ابن الله (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وهو تنزيهه عن الشريك والولد (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) لا ابن الله (رَسُولُ اللهِ) خبر المبتدأ وهو المسيح ، وعيسى عطف بيان ، أو بدل (وَكَلِمَتُهُ) عطف على رسول الله ، وقيل له كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلام (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) حال ، و«قد» معه مرادة أي أوصلها إليها وحصّلها فيها (وَرُوحٌ) معطوف على الخبر أيضا ، وقيل له روح لأنه كان يحيي الموتى ، كما سمّي القرآن روحا بقوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (١) لما أنّه يحيي القلوب (مِنْهُ) أي بتخليقه وتكوينه كقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٢) وبه أجاب عليّ بن الحسين بن واقد (٣) غلاما نصرانيا كان للرشيد في مجلسه حيث زعم أن في كتابكم
__________________
(١) الشورى ، ٤٢ / ٥٢.
(٢) الجاثية ، ٤٥ / ١٣.
(٣) علي بن الحسين بن واقد المروزي محدث ولد سنة ١٣٥ ه ومات سنة ٢١١ ه (تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٩).