يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) (١٥٣)
(يُؤْتِيهِمْ) (١) وبالياء حفص (أُجُورَهُمْ) أي الثواب الموعود لهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يستر السيئات (رَحِيماً) يقبل الحسنات ، والآية تدل على بطلان قول المعتزلة في تخليد المرتكب الكبيرة ، لأنه أخبر أنّ من آمن بالله ورسله ، ولم يفرق بين أحد منهم ، يؤتيه أجره ، ومرتكب الكبيرة ممن آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد ، فيدخل تحت الوعد ، وعلى بطلان قول من لا يقول بقدم صفات الفعل من المغفرة والرحمة ، لأنه قال : وكان الله غفورا رحيما .. وهم يقولون ما كان الله غفورا رحيما في الأزل ، ثم صار غفورا رحيما.
ولما قال فنحاص وأصحابه للنبي صلىاللهعليهوسلم إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليهالسلام نزل :
١٥٣ ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ) وبالتخفيف مكي وأبو عمرو (كِتاباً مِنَ السَّماءِ) أي جملة ، كما نزلت التوراة جملة ، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت. وقال الحسن ولو سألوه مسترشدين لأعطاهم لأنّ إنزال القرآن جملة ممكن (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) هذا جواب شرط مقدر معناه إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ، وإنما أسند السؤال إليهم وقد وجد من آبائهم في أيام موسى عليهالسلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عيانا ، أي أرناه (٢) نره جهرة (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) العذاب الهائل ، أو النار المحرقة (بِظُلْمِهِمْ) على أنفسهم بسؤال شيء في غير موضعه ، أو بالتحكم على نبيهم في الآيات ، وتعنتهم في سؤال الرؤية لا بسؤال الرؤية لأنّها ممكنة كإنزال القرآن جملة ، ولو كان ذلك بسبب سؤال الرؤية لكان موسى بذلك أحقّ فإنّه (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٣) وما أخذته الصاعقة بل أطمعه ، وقيده بالممكن ، ولا يعلق بالممكن إلا ما هو ممكن الثبوت ، ثم أحياهم (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلها (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) التوراة والمعجزات التسع (فَعَفَوْنا عَنْ
__________________
(١) في مصحف النسفي نؤتيهم بالنون وهي قراءة ، لذلك قال :
(٢) في (ظ) و(ز) أرنا.
(٣) الأعراف ، ٧ / ١٤٣.