(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢١٨)
يجوز عند البصريين العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجارّ ، فلا تقول مررت به وزيد ولكن تقول وبزيد ، ولو كان معطوفا على الهاء هنا لقيل وكفر به وبالمسجد الحرام (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) أي أهل المسجد الحرام وهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون وهو عطف عليه أيضا (١) (مِنْهُ) من المسجد (٢) وخبر الأسماء الثلاثة (أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) أي مما فعلته السّريّة من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطإ والبناء على الظن (وَالْفِتْنَةُ) الإخراج أو الشرك (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) في الشهر الحرام ، أو تعذيب الكفار المسلمين أشدّ قبحا من قتل هؤلاء المسلمين في الشهر الحرام (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) أي إلى الكفر ، وهو إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وأنّهم لا ينفكّون عنها حتى يردّوهم عن دينهم ، وحتى معناها التعليل (٣) نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة ، أي يقاتلونكم كي يردوكم ، وقوله تعالى : (إِنِ اسْتَطاعُوا) استبعاد لاستطاعتهم ، كقولك لعدوك إن ظفرت بي فلا تبق عليّ وأنت واثق بأنّه لا يظفر بك (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) ومن يرجع عن دينه إلى دينهم (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) أي يمت على الردة (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لما يفوتهم بالردة ممّا للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفي الآخرة من الثواب وحسن المآب (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وبها احتجّ الشافعي رحمهالله على أنّ الردة لا تحبط العمل حتى يموت عليها ، وقلنا قد علّق الحبط بنفس الردة بقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٤) والأصل عندنا أنّ المطلق لا يحمل على المقيّد ، وعنده يحمل عليه ، فهو بناء على هذا.
ولما قالت السرية أيكون لنا أجر المجاهدين في سبيل الله نزل :
٢١٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) تركوا مكة وعشائرهم (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) المشركين ، ولا وقف عليه لأنّ (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) خبر إنّ ، قيل : من رجا طلب ومن خاف هرب (٥) (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
نزل في الخمر أربع آيات ، نزل بمكة : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ
__________________
(١) في (ز) على صد أيضا.
(٢) زاد في (ز) الحرام.
(٣) في (ظ) الفعيل.
(٤) المائدة ، ٥ / ٥.
(٥) أي من رجا طلب الرحمة بالعمل ، ومن خاف هرب من الذنوب.