عفوت عن فلان إذا صفحت عنه وأعرضت عن أن تعاقبه ، وهو يعدّى (١) بعن إلى الجاني وإلى الجناية (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) (٢) (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (٣) وإذا اجتمعا عدّي إلى الأول باللام فتقول عفوت له عن ذنبه ، ومنه الحديث : (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق) (٤) ، وقال الزجاج : من عفي له أي من ترك له القتل بالدّية ، وقال الأزهري (٥) : العفو في اللغة الفضل ومنه (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٦) ويقال عفوت لفلان بمالي (٧) إذا أفضلت له وأعطيته وعفوت له عما لي عليه إذا تركته ، ومعنى الآية عند الجمهور فمن عفي له من جهة أخيه شيء من العفو ، على أنّ الفعل مسند إلى المصدر كما في سير بزيد بعض السّير ، والأخ ولي المقتول ، وذكر بلفظ الأخوّة بعثا له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام ، ومن هو القاتل المعفوّ له عما جنى ، وترك المفعول الآخر استغناء عنه. وقيل أقيم له مقام عنه ، والضمير في له وأخيه لمن ، وفي إليه للأخ أو للمتّبع الدال عليه ، فاتباع ، لأن المعنى فليتّبع الطالب القاتل بالمعروف بأن يطالبه مطالبة جميلة ، وليؤدّ إليه المطلوب أي القاتل بدل الدم أداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه وإنما قيل شيء من العفو ليعلم أنّه إذا عفي (٨) عن بعض الدم أو عفا عنه بعض الورثة تمّ العفو وسقط القصاص ، ومن فسّر عفي بترك جعل شيء مفعولا به ، وكذا من فسّره بأعطي يعني أنّ الولي إذا أعطي له شيء من مال أخيه يعني القاتل بطريق الصلح فليأخذه بمعروف من غير تعنيف وليؤدّ (٩) القاتل إليه بلا تسويف ، وارتفاع اتباع بأنّه خبر مبتدأ مضمر أي فالواجب اتباع (ذلِكَ) الحكم المذكور من العفو وأخذ الدّية (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) فإنّه كان في التوراة القتل لا غير ، وفي الإنجيل العفو بغير بدل لا غير ، وأبيح لنا القصاص والعفو وأخذ المال بطريق الصلح توسعة وتيسيرا. والآية تدلّ على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن للوصف بالإيمان بعد وجود القتل ، ولبقاء الأخوّة الثابتة بالإيمان ، ولاستحقاق التخفيف والرحمة (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) التخفيف ، فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل ، أو القتل بعد
__________________
(١) في (ز) يتعدى.
(٢) البقرة ، ٢ / ٥٢.
(٣) الشورى ، ٤٢ / ٢٥.
(٤) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٥) الأزهري : هو محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي ، أبو منصور ، أحد الأئمة في اللغة والأدب ولد عام ٢٨٢ ه ومات عام ٣٧٠ ه (الأعلام ٥ / ٣١١).
(٦) البقرة ، ٢ / ٢١٩.
(٧) في (ز) بمال.
(٨) في (ز) عفا.
(٩) في (ظ) أن لا.