(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٨)
المكاتبين حتى يفكّوا رقابهم ، أو في فك (١) الأسارى (وَأَقامَ الصَّلاةَ) المكتوبة (وَآتَى الزَّكاةَ) المفروضة ، قيل هو تأكيد للأول ، وقيل المراد بالأول نوافل الصدقات والمبار (وَالْمُوفُونَ) عطف على من آمن (بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) الله والنّاس (وَالصَّابِرِينَ) نصب على المدح والاختصاص إظهارا لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال ، (فِي الْبَأْساءِ) الفقر والشدة (وَالضَّرَّاءِ) المرض والزّمانة (وَحِينَ الْبَأْسِ) وقت القتال (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي أهل هذه الصفة هم الذين صدقوا في الدّين (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
روي أنّه كان بين حيّين من أحياء العرب دماء في الجاهلية ، وكان لأحدهما طول على الآخر ، فأقسموا : لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد والذّكر بالأنثى والاثنين بالواحد ، فتحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جاء الله بالإسلام فنزل :
١٧٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) أي فرض (عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) وهو عبارة عن المساواة ، وأصله من قصّ أثره واقتصّه إذا اتّبعه ، ومنه القاصّ لأنّه يتّبع الآثار والأخبار (فِي الْقَتْلى) جمع قتيل ، والمعنى فرض عليكم اعتبار المماثلة والمساواة بين القتلى (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) مبتدأ وخبر ، أي الحرّ مأخوذ أو مقتول بالحر (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) وقال الشافعي رحمهالله : لا يقتل الحرّ بالعبد لهذا النص ، وعندنا يجري القصاص بين الحرّ والعبد بقوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٢) كما بين الذكر والأنثى وبقوله عليهالسلام : (المسلمون تتكافأ دماؤهم) (٣) وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أنّ جماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به ، وبأنّ تخصيص الحكم بنوع لا ينفيه عن نوع آخر بل يبقي الحكم فيه موقوفا على ورود دليل آخر ، وقد ورد كما بينا (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) قالوا : العفو ضد العقوبة. يقال
__________________
(١) ليس في (ز) فك.
(٢) المائدة ، ٥ / ٤٥.
(٣) رواه أبو داود والنسائي والحاكم من طريق قيس بن عباد عن عليّ في قصة ، ورواه أبو داود وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو بن العاص).