العابد حتى وإن كانت صورة نفسه. ولقد رأينا كيف قال يوسف عليهالسلام من قبل ذاكرا عزيز مصر واصفا إياه بأنه رب : (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) [يوسف : ٤١] عندما أجاب الفتى ساقي العزيز ، ثم قال من بعد للتي حاولت إغواءه : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [يوسف : ٢٣] أي الرجل الذي اشتراه وأكرمه. ففي اللغة ما يشير إلى العلاقة بين الرب والمربوب فيقال مثلا رب البيت ورب العائلة ورب الأسرة ، فها هنا عبر اسم الرب عن المدبر ومسير الأمور والمربي.
وفرعون لا يعترف بغيره ربا لأنه عابد نفسه ، وكثير من الناس عبدة أنفسهم ولا يعون ، وكان جواب موسى عليهالسلام لفرعون أن رب العالمين رب السموات والأرض ، والسموات عالم المعقولات ، والأرض عالم الأبدان ، ولما كانت حقيقة كل صورة معقولا كان جواب موسى عليهالسلام أن الرب هو رب الصور أي رب المعقولات بما في ذلك الإنسان الذي هو صورة ومادة ، وكلتاهما هما للرب الحقيقي الفاعل المسير.
٢٦ ، ٢٧ ـ (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧))
[الشعراء : ٢٦ ، ٢٧]
قول موسى عليهالسلام استمرار التذكير بأن الرب رب الآباء والأجداد ، ولقوله لطيفة ، ذلك لأننا قلنا إن أصل الوجود المباني حضرة علمية ، والحضرة العلمية هي مجموعة معقولات كلية مشعة عن الحق أزلا. فما عبد الإنسان من صور مذ وجد الإنسان فهو قد عبد رب هذه الصور القديمة قدم الله. وما تغير الصور العيانية سوى استمرار إظهار الصور العينية القديمة فيكون الرب بهذا رب الأقدمين والآخرين.
٢٨ ـ (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨))
[الشعراء : ٢٨]
المشرق عالم الشهادة حيث تكون كل حقيقة باطنة قد ظهرت بصورة عالم الظواهر ، والمغرب عالم الغيب حيث تغيب الذات في بطنان عالم الشهادة نفسه ، فيكون الرب على هذا رب عالم العيان وعالم الأعيان الثابتة.
٢٩ ، ٣١ ـ (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١))
[الشعراء : ٢٩ ، ٣١]
الآيات انتقال من مرتبة الربوبية إلى مرتبة الألوهية ، والانتقال علمي ، فبعد أن يتم تجريد المحسوسات من المعقولات يكون عمل الرب قد انتهى وبدأ عمل الألوهية التي تصطفي من الناس أفرادا تخصهم بالعلم والمعرفة الإلهية ولقد استوفى فرعون حظه من التجريد الفكري ، وهو يريد السيادة في الأرض باعتبار الفكر الإنساني مليك هذه الدنيا ،