الإنجيل ، وقبلهم كانت وصايا نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ، ـ عليهمالسلام ـ وكلها عقائد توحيدية ضاع معظمها أو حرّف.
وفرعون في الآيات رمز أعيان العالم الظاهر من الناس ، فهو جمعهم مثلما كان في موضع آخر رمز النفس الأمارة. وبنو إسرائيل التابعون ليذهبوا مع موسى عليهالسلام مهاجرين من أرض الأوثان إلى أرض التوحيد إلى كونه عقلا مستفادا ، هذه التربية هي من فعل النفس الحيوانية أيضا بمساعدة العقل الفعال.
والفعلة التي فعلها موسى عليهالسلام هي حبسه النفس في الخلوة وحبس قواها وحواسها. وقد فصل الإمام الغزالي الكلام في هذه الخلوة وشروطها وأهدافها ، وما ينبغي على المختلي فعله من تشديد في أداء الفرائض والنوافل ، الأمر الذي يضيق على النفس الحصار ويمنعها الراحة والنوم والكلام والطعام إلا ما يسد الرمق.
٢١ ، ٢٢ ـ (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
[الشعراء : ٢١ ، ٢٢]
للناقد الإنكليزي كولن ولسون كتاب بعنوان اللامنتهي ، وفيه يتحدث عن أعلام الصوفية والعلماء والأدباء والشعراء عاشوا تجربة اللانتماء ، أي أنهم انسحبوا من العالم واعتزلوا وعاشوا تجربة ذاتية ثم عادوا بعلم بل بعلوم حيرت الدارسين والعالمين. ويورد كولن ولسون مثلا ما حدث للصوفي الألماني (بيمه) الذي كان إسكافا فقيرا فمر يوما على طبق مقلوب في الطريق فإذا الطبق يسطع فجأة ويشع ، وإذا ببيمة يرى في هذا الإشعاع النوراني شيئا بل سرا جعل يصرفه فيما بعد في أقوال ما تزال مضرب مثل في التاريخ الحديث .. ومثل هذا ما ذكره الأديب الروسي دوستويفسكي عن جرة رآها النبي محمد صلىاللهعليهوسلم يسيل منها الماء فأغرقت من الماء غرفة جعلت محمدا صلىاللهعليهوسلم يحتل مكانته العظيمة الخالدة ، على مر السنين. فما سر غرفة الماء هذه؟ إنها العلم الذوقي اللدني فهذه التجربة الذاتية التي يعيشها أصحاب الكشف والرؤى هي التي رفعتهم فوق الناس درجات وأحلتهم مكانا عليا.
٢٣ ، ٢٥ ـ (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥))
[الشعراء : ٢٣ ، ٢٥]
الملاحظ أن فرعون سأل عن رب العالمين ولم يسأل مثلا عن إله العالمين ، وعن الله نفسه ، أو عن الخالق. وللسؤال نكتة ، ذلك أن الرب المربي ، وسبق أن تحدثنا عن المربوبية التي هي عمل الفعل والانفعال في الوجود الإلهي نفسه. فكل صورة تعبد هي رب في نظر